قد يكون من المرات القلائل، التي تغيب فيه روسيا عن احداث وحروب، تحصل في الشرق الأوسط، كالحرب العدوانية الإسرائيلية الواسعة النطاق على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، ومتفرعاتها في جنوب لبنان واليمن والحدود العراقية السورية.
كانت روسيا وقبلها الاتحاد السوفياتي، لاعباً اساسياً وحاضراً بقوة في الحروب التي شهدها الشرق الاوسط منذ خمسينات القرن الماضي، وداعما لمصر وسوريا والعراق بالسلاح والتدريب، في الحروب التي حصلت مع إسرائيل، وكانت تقف الى جانب قضاياهم في المحافل الدولية.
تراجع الدور الروسي في الحضور والتدخل بازمات المنطقة، بدأ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩٢، وغاب تماما عن البروز في احداث وحروب شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على تنظيم القاعدة واحتلالها لافغانستان بعد هجوم التنظيم على الولايات المتحدة في ١١ ايلول ٢٠٠١، وبعدها اجتياحها العسكري للعراق، لاسقاط نظام صدام حسين، ولم تتحرك روسيا عندما اسقطت إسرائيل مشروع الدولة الفلسطينية في قطاع غزّة وانقلبت على اتفاقية اوسلو بقيادة ارييل شارون.
حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ تسلمه السلطة، اعادة دور ونفوذ روسيا السابق، واظهارها كقطب موازٍ للولايات المتحدةالأمريكية في العالم، وتدخل عسكريا في جورجيا داعماً الانفصاليين عن الدولة، وبعدها احتل شبه جزيرة القرم واجزاء من اوكرانيا بغض نظر من واشنطن والغرب، ثم انتهز فرصة تدخله عسكريا في سوريا لانقاذ حليفه الرئيس بشار الاسد من السقوط في العام٢٠١٥، لتثبيت وتوسعة القواعد والمنشات العسكرية الروسيةفي أنحاء الاراضي السورية، والتحكم بالوضع الامني والعسكري فيها، واظهار قوة روسيا ودورها في المنطقة.
بعد عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في السابع من شهر تشرين الاول الماضي، والحرب التدميرية الواسعة النطاق التي شنتها الدولة العبرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة، لم يحصل اي تحرك روسي، على مستوى مايطمح اليه بوتين لاظهار دور روسيا، وقدرتها على تحقيق التوازن الى جانب الشعب الفلسطيني ومناصرته، في مواجهة الحرب الإسرائيلية ضده، وحتى ديبلوماسيا في المحافل الدولية، كانت مواقفها وحضورها باهتا ودون الصورة المعتادة عنها.
بقيت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الاساس منذ اندلاع الاحداث، بثقلها وانتشارها العسكري الواسع النطاق، وتحكمها بمفاصل الاحداث والتطورات، والحركة الديبلوماسية، وقيادة المساعي والجهود لانهاء الحرب واعادة رسم مستقبل القضية الفلسطينية من جديد.
انحسار الدور الروسي عن مسرح الاحداث والحرب الإسرائيلية الاجرامية على غزّة، وغياب اي حضور روسي في تحركات انهاء الحرب، كشف بوضوح ان الحرب التي شنّها بوتين على اوكرانيا منذ عامين، استنزفت قسما كبيرا من موارد بلاده واضعفت صورته وبددت مظاهرالقوة المزيفة التي صوّر بهانفسه امام شعبه والعالم، وأظهر ان ماحاول ايهام شعبه بأن بلاده هي الدولة الموازية للولايات المتحدة. لم يكن صحيحا او واقعيا، والا لكانت على الاقل اثبتت حضورها شكليا على مسرح الاحداث والازمات الساخنة في المنطقة.