بماذا يُضحّي اللبنانيّون بعد؟ منذ العام 2005 ووضع اللبنانيّين ينحدر بثبات وقوّة بفعل الأزمات التي توالت على لبنان وعليهم حتّى أوصلتهم سياسة الحكومات المتعاقبة والفرقاء السياسيّين المتعنّتين في ممارستهم إلى حال البلاد المخيف اليوم، فنحن على حافّة انهيار لم يعد سرّاً لأنّ الجميع يتحدّث عنه وبالفمِ الملآن!
كنّا نتمنّى على مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أن يكون أكثر وضوحاً فيما نقله عن فخامة رئيس البلاد العماد ميشال عون، لأنّ ما ينقله ـ أمرٌ يمسّ الشّريحة الأكبر من الشعب اللبناني شبه المفلس حتى لا نقول غير ذلك ـ كلام دقيق يتعلّق بأمر لا مجال للاختصار فيه أو إبقائه غامضاً، خصوصاً وأنّه نقل أنّ «الرئيس ميشال عون دعا اللبنانيين إلى التضحية مرحلياً ببعض المكتسبات للمساعدة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمرّ بها البلاد»، على الأقلّ كان من المفترض أن يوضح البيان مدّة المرحلة ونوعيّة المكتسبات المطلوب التضحية بها، التّعميم مضرّ جدّاً خصوصاً عندما يكون المطلوب يمسّ بالمواطن اللبناني في مرحلة لم يعد هو قادر فيها على تقديم شيء لا للدولة ولا للاقتصاد ولا التضحية بمكتسبات «مجهولة»، كنّا نتمنّى لو جرى الإعلان عنها في هذه الدّعوة!
ذاتاً، تعني «المرحلة» في اللغة هي «مسافة»: «سارَ مَرحلة طَويلة»، وتعني أيضاً: «قَدْر محدَّد من شيء» أيْ «مَرْحَلةٌ أُولى من مَشْروع»، كُنّا نتمنّى لو تمّ الإيضاح للبنانيّين كم ستمتد هذه الـ»مرحلياً» خصوصاً وأنّ المواطن اللبناني لم يعد يملك الحدّ الأدنى من المقدرة على تكاليف الحياة الجائرة في لبنان! وكنّا نتمنّى لو تمّ التوجّه إلى أصحاب المداخيل الكبيرة والمتعدّدة من النوّاب والوزراء، خصوصاً الذين يتقاضون أكثر من راتب، والأوْلى أن يكتفي هؤلاء براتبٍ واحد ويتنازلوا «مرحليّاً» عن هذه «الرواتب» وبعضها «خيالي» إذا ما قيست عليها رواتب المواطنين، لقد ضحّى المواطن اللبناني كثيراً، وكثيراً جدّاً، فبماذا باستطاعته أن يضحّي بعد؟
سبق ونقل عن رئيس البلاد أنّ الوضع اللبناني يشبه غرق «التايتنيك» ببطء، ويتمنّى اللبنانيّون أن يحصلوا على إجابة السؤال: من الذي تسبّب بإغراق التاتينيك اللبنانيّة؟ هل هي الحكومة أم المجلس النيابي؟ أيّ فريق هو المسؤول عن حالة الغرق التي تأخذ البلاد نحو القاع؟ ألا يوجد أحد يتحمّل المسؤوليّة؟ تكاد إذا سألت أي مواطن لبناني ومن أي طائفة أو مذهب أو حزب: هل تشعر أنّك حاصل على حقّك كاملاً؟ يجيبك: ولا أدنى حقوقي حتى!
السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع، هل تدركون أنّ المواطن لم يعد يحتمل المزيد من الضغوط المعيشيّة، وللمناسبة ثمة مخاوف حقيقيّة تعتري الشعب اللبناني بأفكار يونانية، ولا يجب أن تمر مخاوف أن يصيبنا ما أصاب اليونان مرور الكرام، ومن المؤسف أنّ محاولات الطمأنة التي يجري بثّها هنا وهناك ليست أكثر من محاولات تسكين مخاوف جديّة تعصف بأذهان اللبنانيّين الذين يتمسكون بصمتهم حتى الآن لأنهم لا يملكون سوى التزام الصمت، في بلد ذاهب باتجاه الأسوأ الذي ما نزال نتساءل كيف سيكون هذا الأسوأ، وكم ستطول فترته وكم سنحتاج مرحليّاً للخروج؟!
النّاس لم تعد تحتمل الاستمرار على هذا المنوال من القلق، هذا إذا تجاهلنا أنّ أيلول وصرخة المدارس والأقساط وزيادة رواتب الأساتذة وغيرها الكثير ينتظرنا «ورا الباب»!