هل سيزداد اهتزاز الأوضاع العامة في المنطقة، فتزداد التهابا وخرابا، ويزداد الإطباق على رقاب دولها وشعوبها وخيراتها، وإطلاق اليد الإسرائيلية في خوض غمار السيطرة على قرار هذه الدول وتصرفاتها وإصابتها بالإحباط، الشديد، إلى الحدود المؤسفة التي بات العالم العربي عليها في هذه الأيام بدءا بمن سبق لهم التصالح مع إسرائيل، ووصولا إلى المتعاملين معها من تحت الطاولات، وما أكثرهم في هذه الأيام.
ما هو موقع لبنان بالنسبة للغة العنف والتهديد والمواجهة التي أخذت في الأيام الأخيرة طابعا حادا، إنطلق من الولايات المتحدة وموقفها من إيران، خصوصا بعد وصول الرئيس ترامب إلى الحكم بهذه الكيفية المضطربة التي فاجأت الجميع، بمن فيهم الغالبية الحقيقية للأميركيين، إضافة إلى تهديدات إسرائيلية تطاول المنطقة بدءا بإيران وإطلاق التهديدات ضدها وضد أي تصرّف قد يمس «بعزيمتها القتالية»، كما ذكر نتنياهو في كلمته الأخيرة في مؤتمر ميونخ، متهما إياها بالإغراق في سياسة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ولم يرتدع نتنياهو والقوى اليمينية التي تشاركه في الحكم بعد كل تلك المظاهرات الإسرائيلية التي عمّت الشارع الإسرائيلي تتهمه بالفساد وتلقّي الرشوات، وبالعكس كانت إيران مكسر العصا الذي لجأ إليه نتنياهو للتلطي من تلك الحملات القاسية التي تطاوله في عقر داره، وهو على أبواب انتخابات قريبة وضعته مجددا في طليعة الطامحين والساعين بشراسة، لمتابعة الإمساك بمكامن السلطة في إسرائيل، علّ تلك السلطة تتيح له النجاة من مطالب إقالته منها. وإيران لا تنتظر أفضل من هذه المناسبة لخلق حالات شعبوية مؤيدة لنظامها القائم، بعد أن اخترقت كيانه، تلك المظاهرات والإحتجاجات التي اتهمت قيادته بالخيانة وزعماءه بالفساد المطلق وباعتماد الحرب بأموال وأرواح الإيرانيين بهدف السيطرة على المنطقة من خلال طموحات مذهبية وعنصرية قديمة في جذورها، ومعادية للعرب بطبيعتها التاريخية، وبصيحات الجوع والحرمان التي بات شعبها المعاني من شظف العيش يشكو من نتائجها بأشد أنواع التعابير والمواقف والمظاهرات النهارية والليلية.
نتوقف في هذا المجال أمام انعكاسات أوضاع المنطقة على لبنان، بعد أن أصبحت الجارة سوريا، مركز التنفيس العنفي وساحة التصادم والتقاتل، الإقليمي والدولي وبعد أن كان لبنان هو اللاعب الأساسي لهذا الدور الملتهب في مرحلة سابقة. هناك من اللبنانيين من يعتبر أن مظلّةً ما من الحمايات الدولية تكلّل الوضع اللبناني حاليا، بما منع عنه حتى الآن، أخطار الفلتان الأمني داخليا من خلال التناقضات المحلية التي ما زال فتيل التفجر ينتظر نفخة من جهة ما، حتى تعود لغة الاحتراب الداخلي إلى جهاتها وجبهاتها، ولنا في ما حصل مؤخرا من خلال ذلك الصراع الخطير الذي نشأ بعيد تصريحات الوزير باسيل وتناوله للرئيس برّي بتهمة «البلطجة»، التي أثارت الشارع الأمَليّ الشيعي، وكادت أن تقود البلاد والعباد إلى مهالك الاشتباك المذهبي والطائفي بعد أن سادت مجدّدا لغة العنف وشعارات: (يا غيرة الدين والمذهب والزعيم). صحيح أن زعماء البلاد ابتلعوا سريعا خلافاتهم وبالتحديد، منهم رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي، فتمت سلسلة من الإجراءات التي برّدت الوضع الداخلي إلى حدود إعادته إلى حدود الموقف التسووي الداعي إلى الموقف الحكيم، وترسيخ دعائم الاستقرار، خاصة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ المنطقة التي تمثلت لدينا برسم جديد للحدود تحاول إسرائيل فرضه علينا مع طموحات ومطالب وقحة للكيان الصهيوني في جزء من الطاقة اللبنانية المختبئة حتى الآن في أعماق مياهنا وشواطئنا البحرية.
كما أن هناك عددا آخر من اللبنانيين، وبينهم زعماء ومحلّلون سياسيون ودبلوماسيون عرب وأجانب، يصرّحون بأصوات خافتة ومتحفظة حتى لا تكون تصريحاتهم مجالا مفتوحا لإثارة الهلع في محيط لبناني لا ينقصه إلا القليل لبث الاضطراب والتخوّف والتحسّب في فكره وتطلعاته إلى سلامة أوضاع بلاده، خاصة وأن الاستقرار لا يعني فقط، استقرارا في السياسة والممارسات المتعلقة بها، بل يعني في الطليعة، أحوالا داخلية سليمة خالية من الفساد والخلل في تسيير شؤون البلاد الخدماتية كما هو الوضع مع الكهرباء ومعضلة النفايات، من دون أن ننسى الأوضاع الاقتصادية والمالية المتهاوية إلى درجة استحقت الإشارة إلى خطورتها في تقارير البنك الدولي وإشاراته التحذيرية المتتالية، وخاصة كذلك دون التنبه إلى معضلة البطالة التي وصلت نسبتها إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث بعد أن بلغت حوالى الثلاثين بالمائة باتت تخرق استقرار جيلنا الطالع الذي تقذف به الجامعات إلى دنيا العمل والحياة الطبيعية، فلا يجد عملا ولا يلمس أن له في هذا البلد مستقبلا، حتى إذا ما سعى إلى عمل ما في الخارج، وجد الأبواب موصدة في وجهه، لأسباب تخص مستجدات شروط العمل في بلدان الجوار وبقية أنحاء العالم، بل هي موصدة لأسباب متعلقة بالسمعة التي باتت لأبناء المنطقة، خاصة بعد اختلاط الحابل بالنابل بسبب التداخل السكاني بين لبنانيين ونازحين مع احتمال أن يكون في صلب النزوح الجواري، خلايا نائمة منتمية إلى شتى صنوف من تُطلق عليهم صفة الإرهاب. هل ستدوم علينا نعمة الهدوء الأمني النسبي السائدة حتى الآن؟ إنه السؤال الذي يثير قلق المواطنين المتخوفين، من هبوط في نسبة الأمن المتبقية والتي تكاد أن تكون النعمة الوحيدة التي ما زالت صامدة نسبيا حتى الآن. إنه سؤال مليء بأسباب التحسّب والشعور بالخطر على الوجود الوطني وحياة الناس، مهما طمأن المسؤولون إلى الحاضر الأمني، فإن المواطن، بكافة فئاته وجهاته، بات يفتح نوافذ التحسّب والتوقع القلق، وهي ليست بالقليلة.
المحامي محمد أمين الداعوق