IMLebanon

صفقة بيع أسهم «الإعتماد اللبناني»: مساهمون تراقبهم واشنطن بشبهة «تمويل الإرهاب»

ينعقد المجلس المركزي لمصرف لبنان غداً الاربعاء، وعلى جدول أعماله جملة من البنود، أبرزها طلب بنك الاعتماد اللبناني الموافقة المسبقة على رفع نسبة مساهمة شركةCIH Bahrain International Holding SAL في هذا البنك من 23.52% حالياً الى 35.06%. هذا البند المؤجّل منذ أسابيع، يشكّل مصدر حرج كبير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا سيما في ظل التشدد المبالغ فيه في تطبيق القانون الاميركي ضد حزب الله، إذ إن الشركة المذكورة هي شركة تابعة للشركة الرأسمالية الدولية القابضة، التي يمتلك غالبية أسهمها ورثة خالد بن محفوظ، عبد الرحمن وسلطان وإيمان (تشتبه الإدارة الأميركية بتمويلهم تنظيم القاعدة وداعش) الذين وردت أسماؤهم في لائحتين عمّمتهما أخيراً هيئة التحقيق الخاصة (مكافحة تبييض الأموال) على جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، وطلبت الاستعلام عن حساباتهم واتخاذ «الحيطة والحذر» في التعامل معهم

واجهت صفقة بيع حصة “EFG Hermes” المصرية في بنك “الاعتماد اللبناني” إشكاليات كثيرة كادت تطيحها مراراً.

في معظم المراحل السابقة، اضطر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى التدخّل شخصياً لتذليل العقبات والبحث عن المخارج، إلا أن الصيغة الاخيرة، التي رست على طاولة المجلس المركزي لمصرف لبنان، لا تزال مصدر حرج كبير، على الرغم من كل التعديلات التي جرت عليها لجعلها “مقبولة”. ففي الوقت الذي تتشدد فيه المصارف اللبنانية في تطبيق القانون الاميركي ضد حزب الله تحت غطاء التعميم رقم 137 وتقوم بإقفال حسابات لأشخاص ومؤسسات غير مدرجين على لوائح العقوبات، جاءت الصيغة المطروحة لإتمام صفقة بيع الاسهم في تاسع أكبر بنك لبناني متساهلة جدّاً إزاء مشاركة مساهمين سعوديين موضوعين تحت المراقبة من قبل “وحدة الاخبار المالي” الاميركية بشبهة “تمويل الارهاب”.

بالاستناد الى البند الذي أدرجه سلامة على جدول أعمال جلسة المجلس المركزي غداً الاربعاء، يطلب بنك الاعتماد اللبناني موافقة مصرف لبنان المسبقة (وهي إلزامية) على تفرّغ “EFG Hermes” عن مليونين و700 ألف سهم من أسهمها في البنك المذكور الى شركة CIH Bahrain International Holding SA (إضافة الى 30 ألفاً و303 أسهم لعضو مجلس إدارة البنك الحالي سركيس داميرجيان). هذه الشركة تمتلك حالياً 23.52% من أسهم البنك نفسه وتسعى الى زيادة مساهمتها الى 35.06% لتصبح المساهم الأكبر فيه، وهي مملوكة مباشرة من نايلة بنت عبد العزيز كعكي (12.5%) وعبد الرحمن بن خالد بن محفوظ (35%) وشقيقه سلطان بن خالد بن محفوظ (35%) وشقيقتهما إيمان بنت خالد بن محفوظ (18.5%). الثلاثة الأخيرين هم ورثة خالد بن محفوظ (ورد اسمه في عشرات التقارير الأميركية عن علاقته بتمويل القاعدة)، الذين وردت أسماؤهم في لائحتين عمّمتهما هيئة التحقيق الخاصة (مكافحة تبييض الاموال) على جميع المصارف والمؤسسات المالية وشركات تحويل الاموال، في كانون الاول 2015 ونيسان 2016، “لاتخاذ جانب الحيطة والحذر حيال التعامل معهم”، بناءً على تقريرين واردين من “وحدة الإخبار المالي” في الولايات المتحدة (FinCEN)، “في إطار تبادل المعلومات لدعم سبل مكافحة تمويل الارهاب الناتج من تنظيم داعش ونظيراته”. (http://www.al-akhbar.com/node/250963)

بحسب مصادر مصرفية متابعة، سيكون على المجلس المركزي أن يقرر: إمّا رفض هذا الطلب، وبالتالي إطاحة الصفقة كلها نظراً إلى ترابط عناصرها، وإما الموافقة عليه، وبالتالي تعريض نفسه للانتقادات بسبب اعتماده “الصيف والشتاء” تحت سقف واحد، وهو ما سيضعف الحجج المسوقة لتبرير الاجراءات المصرفية ضد حزب الله!

مسار الصفقة

تملك مجموعة “EFG Hermes” المصرية 14 مليوناً و914 ألفاً و883 سهماً في بنك الاعتماد اللبناني، أي حصّة الغالبية البالغة 63.74% من مجمل الاسهم. هذه النسبة تدرّ عائداً مهماً للمجموعة المصرية، لكن مشكلتها كانت تكمن في البداية بعجزها عن تسلّم الادارة التنفيذية للبنك بسبب دعم حاكم مصرف لبنان لرئيس مجلس الادارة ــ المدير العام جوزف طربية ورفضه تغيير إدارة البنك. لاحقاً، طرأت عوامل أخرى ضاغطة على المجموعة المصرية دفعتها الى اتخاذ قرار نهائي بالتخلي عن مساهمتها في البنك اللبناني، وفي مقدمها حاجتها الى السيولة النقدية في ظل استفحال الازمة النقدية في مصر، وكذلك وجود صراعات بين مراكز القرار والتأثير في مجلس إدارتها، ولا سيما أن قيمة أسهم المجموعة في البنك اللبناني تقدّر بنحو 492 مليون دولار، وهو ما يعدّ صفقة تنطوي على إغراءات كبيرة. إلّا أنّ عقبات كثيرة واجهت صفقة البيع الضخمة. فعند إعلان “هيرميس” رغبتها في بيع كامل أسهمها في البنك، تلقّت عرضين من مجموعتين مصرفيتين هما مجموعة «سيدروس» الناشئة، التي تملكت أخيراً بنك «ستاندرد تشارترد» في لبنان، ومجموعة «سرادار»، وهي المساهمة الرئيسة في بنك BIT الناشئ من اندماج بنك الصناعة والعمل والبنك التجاري للشرق الادنى. واجه العرضان عثرتين أساسيتين؛ الأولى، تمسّك طربيه بإدارة البنك بعد البيع، في حين ان المجموعتين تسعيان الى التحكم في إدارته. والثانية، اشتراط المجموعتين العارضتين دراسة حسابات البنك ووضعيته المالية والادارية قبل إبرام الاتفاق النهائي وتحديد السعر، وهو ما رفضه طربيه والمجموعة المصرية لأسباب مختلفة، منها أن هذه الدراسة قد ترتب تخفيضاً في سعر السهم المحدد بـ33 دولاراً أو حجزاً لمبلغ من قيمة الصفقة يوازي الحسابات “العاطلة”. إضافة الى هاتين العثرتين، ظهر أن “سيدروس” و”سرادار” لا تمتلكان القدرة على تسديد قيمة الصفقة دفعة واحدة وفوراً. سرعان ما استفاد طربيه من ذلك، ونجح في الحصول على تفويض من المجموعة المصرية لبيع حصتها كاملة الى مجموعة من المستثمرين.

أن رفض مصرف لبنان

الموافقة على عنصر من عناصر الصفقة يطيحها كلها

ولكن طربيه فشل في الحصول على مساهمات تغطّي كل أسهم المجموعة المصرية، على الرغم من تمديد التفويض المُعطى إليه حتى 12 آذار الماضي، ومرة ثانية حتى 30 آذار، ولم يتمكن من تأمين بيع سوى 9.408.749 سهماً، وهو ما يمثل نحو 40.2% من إجمالي أسهم البنك، أو ما نسبته 63.08% من حصة المجموعة المصرية.

عدم تغطية كامل حصة “EFG Hermes” كاد يطيح الصفقة، إلا أن مجلس إدارة المجموعة وافق في 17 آذار على بيع الـ9.408.749 سهماً، بسعر 33 دولاراً للسهم الواحد، ولكن بشرط أساسي هو “الدخول في اتفاقية ضمان تغطية اكتتاب غير قابل للإلغاء مع بنك الاعتماد اللبناني للاستثمار (CLIB) ــ وهي شركة تابعة ومملوكة بالكامل لبنك الاعتماد اللبناني ــ لبيع الحصة المتبقية والمملوكة بطريقة غير مباشرة للمجموعة، والتي تمثل 5.506.134 سهماً بالسعر نفسه، “على أن تتم عملية البيع قبل/أو في 31 أيار 2017…». هكذا أصرّت “هيرميس” على بيع كامل حصتها لكن على مرحلتين.

إثر ذلك، أرسل طربيه في اليوم التالي كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يطلب الترخيص لبعض المستثمرين بتملك أسهم في رأسمال بنك الاعتماد اللبناني، يُطلعه فيه على موافقة المجموعة المصرية على بيع جزء من حصتها في المرحلة الأولى، واحتفاظها بالحصة المتبقية مع توقيع اتفاق اكتتاب غير قابل للنقض مع بنك الاعتماد اللبناني للاستثمار يلتزم بموجبه بضمان عملية بيع الأسهم المتبقية قبل أو في 31 أيار 2017. كذلك، قسّم الكتاب المستثمرين الذين عبّروا عن رغبتهم في شراء أسهم الى فئتين: الفئة الأولى تضم المستثمرين الخاضع تملكهم للأسهم لموافقة مسبقة من مصرف لبنان (أي الذين يريدون شراء أكثر من نسبة 5% من الأسهم) وهم سركيس دامرجيان وشركة CIH Bahrain International Holding SAL (الاول عضو حالي في مجلس إدارة البنك والثانية تملك حالياً 23.52% من أسهم البنك). أمّا الفئة الثانية فتضم المستثمرين غير الخاضع تملكهم للأسهم لموافقة مسبقة من مصرف لبنان (32 مستثمراً تتراوح مساهماتهم بين مليون سهم و30 ألف و304 أسهم). إلا أن عقود التفرغ التي عرضت على مصرف لبنان أظهرت أن نفاذ عقد البيع والتفرغ يرتكزان على تحقق شرطين مجتمعين هما: “الاستحصال على موافقة مصرف لبنان على هذا التفرغ، وتفرغ الفريق الأول بالتزامن عن كامل الأسهم المعروضة التي يملكها في رأسمال مصرف الاعتماد اللبناني ش.م.ل.، غير المشمولة بهذا العقد”. بمعنى أن رفض مصرف لبنان الموافقة على عنصر من عناصر الصفقة يطيحها كلها.

تفكيك الألغام

بدا منذ البداية أن مصرف لبنان غير قادر على إعطاء موافقته على ضمان تغطية الاكتتاب غير القابل للإلغاء مع بنك الاعتماد اللبناني للاستثمار، إذ “يستوجب ذلك توفر الأموال الخاصة الكافية لديه لتنفيذ عملية التملك المذكورة”، فضلاً عن أن بنك الاعتماد اللبناني للاستثمار مملوك بالكامل من بنك الاعتماد اللبناني، وبالتالي هناك إشكالية في الموافقة على أن يشتري البنك حصة من أسهمه من أحد المساهمين فيه. انطلاقاً من ذلك، قرر مجلس إدارة “هيرميس”، تسهيلاً لعملية البيع، إلغاء شرط توقيع اتفاقية ضمان الاكتتاب برصيد الأسهم غير المبيعة، واستبداله بتكليف بنك الاعتماد اللبناني للاستثمار بتنفيذ مهمة بيع الأسهم عن طريق بذل أفضل الجهود من دون أي التزام أو ضمان من جانبه، واعتبار عقود البيع الموقّعة ضمن المرحلة الأولى، أي الـ40% من الأسهم، مستقلة تماماً عن التفويض المعطى للبنك الأخير لبيع الأسهم المتبقية ضمن المرحلة الثانية. هكذا إذاً، تخلّت المجموعة عن بيعها كامل حصتها واكتفت ببيع 40% منها.

أبلغ طربيه حاكم مصرف لبنان قرار المجموعة، وجدّد طلبه الموافقة على عملية البيع ضمن المرحلة الأولى فقط، وهو ما سيتقرر عند انعقاد المجلس المركزي لمصرف لبنان غداً. إلّا أنّ سلامة يواجه موقفاً حرجاً، إذ إن مليونين و700 ألف سهم من أصل 9 ملايين و408 آلاف و749 سهماً تشملها هذه المرحلة ستباع الى شركة CIH Bahrain International Holding SAL، المملوكة من ورثة خالد بن محفوظ.

مشكلة بن محفوظ

بتاريخ 30 نيسان 2015 ورد إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان تقرير من وحدة الإخبار المالي في الولايات المتحدة الأميركية بعنوان “تهديدات أمنية عابرة للحدود ــ شريف صدقي، وآخرون: تحاويل إلكترونية عائدة لشخص يُحتمل أن يكون مرتبطاً بتمويل إرهاب”. أُرفق التقرير الذي ركّز على شريف صدقي، وهو “محامي عائلة بن محفوظ المشتبه في أن تكون مرتبطة بتمويل إرهاب”، بـ17 اسماً مرتبطاً بالقضية، من ضمنهم عبد الرحمن وسلطان وإيمان بن محفوظ.

بناءً على التقرير الوارد، اتخذت الهيئة في 24 كانون الأول 2015 قراراً بتعميم اللائحة على جميع المصارف والمؤسسات المالية في لبنان للاستعلام عن أي حسابات أو عمليات عائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الأسماء والتدقيق في الحسابات في حال وجودها، واتخاذ الحيطة والحذر حيال التعامل معها، وطلبت الهيئة من المصارف المعنية “مراقبة الحسابات المذكورة والإفادة عن أيّ عمليات غير طبيعية تجري عليها”.

في 29 شباط 2016، ورد الى هيئة التحقيق الخاصة تقرير ثان من وحدة الإخبار المالي الاميركية، يتضمن 18 اسماً ــ منها 10 أسماء وردت في التقرير السابق ــ وتضم أيضاً شريف صدقي، عبد الرحمن وسلطان وإيمان بن سالم بن محفوظ. مجدداً، عمّمت الهيئة الأسماء على جميع المصارف وطلبت الاستعلام عن الحسابات والعمليات العائدة لها والتدقيق في حساباتها واتخاذ الحيطة والحذر حيال التعامل معها.

بحسب الطلب الذي سيدرسه المجلس المركزي لمصرف لبنان غداً الاربعاء، فإن من تطلب هيئة التحقيق الخاصة مراقبتهم والتعامل بحذر معهم سيتملكون ما نسبته 11.54% إضافية فوق حصتهم الحالية (23.52%)، أي ستصل حصتهم في بنك الاعتماد اللبناني إلى 35.06%. ما معنى “الحيطة والحذر” في هذه الحالة؟