Site icon IMLebanon

سيّدة الناطور في قفص: هل تودّع أنفة ملّاحاتها؟

 

 

من أين يدخل ملّاحو أنفة إلى “الملاليح” مع بدء قطاف موسم الملح؟

 

من السياج الحديدي الذي استُحدث أخيراً حول دير سيّدة الناطور المجاور للملّاحات.

للمرة الأولى في تاريخهم، اضطر أصحاب ما تبقّى من الملّاحات إلى الالتزام بضوابط ومواعيد محدّدة تتحكّم بدخولهم وخروجهم إلى الملّاحات التي تفصل بين الدير وبين البحر. بصعوبة، توصلوا إلى اتفاق مع رئاسة الدير تسمح لهم بحيازة مفاتيح يفتحون ويغلقون بها باباً خُصّص لهم لسلوك مسار جانبي طويل، يقودهم إليها. لكنّ الخشية الكبرى من أن يكون حضورهم هذا الموسم مشاركة في مراسم وداع الملّاحات إلى الأبد، من دون إعلان رسمي.

 

تركيب السياج

قبل أيام، فوجئ زوّار الدير وأصحاب الملّاحات بورشة تركيب سياج حديد في المنطقة المحيطة بالدير عند رأس الشقعة، التي تمتد على نحو 700 ألف متر. السياج استُكمل بتركيب بوابات مع نواطير يفتحونها ويقفلونها وفق برنامج محدد. وفي معلومات “الأخبار”، فإن رئيسة الدير الأخت دومينيك “طلبت من أبرشية الكورة وطرابلس للروم الأرثوذكس التي يتبع إليها الدير، استحداث السياج بغرض الحماية بعد إلغاء نقطة الجيش اللبناني التي تولّت حراسته منذ سنوات بالتزامن مع اندلاع أحداث طرابلس وتلقّيه تهديدات من مجموعات متطرّفة”.

الأبرشية استجابت للطلب، لكن ليس من جيبها الخاص. بما أن إمكاناتها المادية لا تسمح، استعانت بابن الرعية رجل الأعمال جاك صرّاف الذي دفع تكلفة السياج. كان من المحتمل بأن يلقى تبرير ناطورات السيدة، قبولاً من قبل الأنفاويين والملّاحين. لكنّ طلب التمويل من صراف تحديداً أثار الريبة. فالأخير هو صاحب مشروع “إنماء ناطور” الاستثماري الذي ينوي إنشاء منتجع سياحي ضخم وميناء يخوت ضمن حرم الدير.

 

مشروع استثماري

الناشط حافظ جريج أثار القضية على مواقع التواصل الاجتماعي، قارعاً ناقوس الخطر على مصير الملّاحات. في حديثه إلى”الأخبار”، استعرض أسباباً عدة تجعله يشكك في أن تكون الحماية هي هدف السياج. “منذ فترة، بات الملّاحون يتعرّضون لمضايقات في الدخول والخروج وبيع إنتاجهم لزوّار الدير. فيما بادر بعض القيّمين على الدير إلى منعي من التصوير”. ملّاحون آخرون ربطوا السياج بـ”البدء بتحديد نطاق المشروع وحرم الدير”، مشيرين إلى “مفاوضات تجري بين أصحاب المشروع والأبرشية حول المساحة التي سيتركونها لمحيط الدير والمسار المؤدي إليه”.

ad

 

في المقابل، تحفّظ صراف في حديث إلى “الأخبار” عن تقديم تفاصيل عن ربط تركيب السياج بإحياء المشروع المتوقّف منذ سنوات بعد إقراره عام 1998. “عمل الخير لا نتحدث عنه”. هكذا صنّف تبرّعه بكلفة السياج. لكنه استطرد: “نهدف إلى زراعة محيط الدير وحمايته في الوقت ذاته. توافقت أنا والمطران (مطران طرابلس والكورة وتوابعهما) على الزراعة والحماية. ونعمل على دعوة المجتمع الأرثوذكسي إلى إطلاق صندوق للاستثمار لدعم السياحة الدينية في أنفة التي تضم سبع كنائس أثرية، إلى جانب الدير، لتشجيع الزوار”. وسرعان ما يقطع صراف الطريق على تمرير المخاوف المتزامنة مع تركيب السياج، قائلاً: “أنا ابن الشمال والدير بالحفظ والصون”.

 

«إنماء ناطور»

يُذكر أن شركة “إنماء ناطور” أُسِّست عام 1998 على يد عدد من المستثمرين السياسيين والنافذين الشماليين، الذين وقّعوا اتفاقاً مع أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس كعقد استثمار طويل الأجل لمدة 99 عاماً لأراضي “سيدة الناطور”، وذلك بهدف إنشاء منتجع سياحي وميناء يخوت في أوقاف الدير. على أن يصبح الدير نفسه واقعاً ضمن المشروع في منطقة الحريشة العقارية. في عام 2009، رفض التنظيم المدني السماح لهم بالاستثمار في الأملاك البحرية الممتدّة من أملاك الدير وإنشاء سنسول لميناء اليخوت. وفي أيار 2018، رخّصت الحكومة لثلاثة منتجعات سياحية بحرية منها في أنفة. علماً بأن المجلس الأعلى للتنظيم المدني أعلن في 16 أيار 2018 رفضه الموافقة على مشروع جديد متفرّع من “إنماء ناطور” يقضي بإشغال مساحة نحو 70 ألف متر مربع في اليابسة والمسطح المائي قبالة العقار الرقم 912 في الحريشة في أنفة (ملك دير سيدة الناطور) بهدف إنشاء مشروع سياحي ضخم. واستند التنظيم المدني إلى المخطط التوجيهي العام للشواطئ الشماليّة الصادر عام 1998، وصنّف موقع دير الناطور والملّاحات وبساتين أشجار الزيتون المحيطة منطقة حماية نسبياً، ولم يحدد أي معدلات استثمار للبناء.

 

استعانت الأبرشية لتركيب السياج برجل الأعمال جاك صرّاف

 

 

بعد إعادة تحريك المشروع، دافعت الأبرشية عنه في بيان بوصفه الحلّ لتثبيت الأهالي في أرضهم، ويوفّر لهم فرص العمل وينشّط دورة الحياة الاقتصادية والحركة السياحية في المنطقة من خلال إبراز معالمها التراثية، وفي مقدمتها الكنائس الأثرية وحرفة صناعة الملح”.

علماً بأن عدداً كبيراً من الملّاحات قد أزيل عقب الإعلان عن المشروع عام 1998، إذ دُفعت تعويضات لعدد من أصحابها، وبقي منها ست ملّاحات، أربع منها ضمن أملاك الدير واثنتان في الأملاك الخاصة.