قبل أيام خرجت ضد «جبهة النصرة» تظاهرات في «الغوطة الشرقية» السائرة في اتجاه إنشاء منطقة «خفض توتر» فيها، على غرار تلك التي أُنشئت في جنوب سوريا. وتزامَن هذا الرفض الشعبي لوجود «النصرة» في الغوطة مع بدء مسار ترحيل مسلّحيها من جرود فليطا السورية وعرسال اللبنانية، وهي تصطحب معها بيئتها الاجتماعية الحاضنة لها – أو اللصيقة بها – داخل مخيمات النازحين السوريين في عرسال.
من أصل مئة ألف نازح سوري في أكثر من 100 مخيم للنازحين السوريين في منطقة عرسال، خرج مع مسلحي «النصرة» الى ادلب 6101 نازح. فيما يستعد 560 نازحاً لمرافقة مسلحي «سرايا اهل الشام»، وهذا العدد غير نهائي.
ومن وجهة نظر موظف كبير يعمل مع جمعيات عالمية في بيروت على ملف النازحين السوريين، فإنّ «هذه العَيّنة» يمكن الاستناد اليها للقول «إنّ نسبة تمثيل «النصرة» داخل اجتماع النازحين السوريين في الشتات وداخل سوريا، هي ستة في المئة فقط».
ويؤكد اهتمام الموظف عينه بهذه الملاحظة، سياق معلومات بدأ يتحدث بكثافة أخيراً، عن وجود اهتمام خارجي كبير لتوفير معرفة تقديرية لنسب التمثيل التي تملكها فصائل المعارضة على اختلافها، داخل بيئة النازحين السوريين في الشتات وفي مناطق سيطرتها.
وسبب هذا الاهتمام يعود الى كون القرار الدولي خلال مرحلة ما بعد لقاء بوتين ـ ترامب في المانيا، سيركّز على تشجيع الادوار السياسية للقوى السورية، وسيهتم بمعرفة مدى قدرتها على إثبات حضورها داخل عملية الحل السياسي وتطبيقات هدنات خفض التوتر، بأكثر من تركيزه على أدوارها العسكرية.
وبالتزامن مع قرار وكالة الـ«سي. آي. إي» بوقف مساعداتها العسكرية لفصائل المعارضة السورية، فإنّ القاهرة التي دخلت على خط إنشاء مناطق خفض توتر في سوريا (الغوطة الشرقية) نصحت فصائل «الجيش السوري الحر»، التي يُعتبر تنظيم «سرايا أهل الشام» الذي كان موجوداً في جرود عرسال أحدها، بأن تحسّن فهم خلفيات قرار ترامب وقف المساعدات العسكرية لها، وأن تفهمه بالمعنى الإيجابي الرامي الى مساعدتها على الاهتمام بإنشاء تشكيلات سياسية لها، تثبت قدرتها في التحوّل من مجرد دور عسكري في ميدان القتال الى دور سياسي داخل ميدان التفاوض.
وتلفت هذه المعلومات الى انّ دور مصر في ترتيب منطقة خفض التوتر في الغوطة لم يكن فقط محصوراً ببُعده المكاني (أي انها مضيفة وليست صاحبة دور)، فملف هذه المنطقة من ألفه الى يائه تمّ ترتيبه في غرف المخابرات المصرية التي استثمرت في سبيل إنجاحه علاقتها الوثيقة بالمعارض السوري احمد الجربا الذي يُشار اليه أنه كان عرّاب اتصالاتها لإنشاء منطقة خفض التوتر في هذه المنطقة، كونه بنى صِلة وثيقة منذ نحو عامين بموسكو، وتربطه بالوقت نفسه علاقة ثقة بـ«جيش الاسلام» المعتبر القوة الاكبر في منطقة الغوطة، والذي أعلن اخيراً انه يوافق على دخول مرحلة مساكنة مع الجيش السوري.
وتلفت هذه المصادر الى الفارق النوعي بين ترتيبات إنشاء منطقة خفض التوتر جنوب سوريا التي أدّى الاردن دوراً فيها، وبين إنشاء منطقة الغوطة التي كان لمصر دور في استضافتها وترتيبها.
فالأولى اشتملت على ترسيم هدنة فيها في انتظار إجراء مصالحة بين قوى النظام والمعارضة، بينما الثانية اشتملت على ترتيب مسودة مصالحات بين «جيش الاسلام» والنظام، عبر وساطة الجربا بدعم القاهرة وموسكو، تلاها إعلان إنشاء منطقة خفض التوتر.
ضمن هذا السياق تكشف هذه المعلومات انّ نموذج ما حصل في الغوطة بين «جيش الاسلام» والنظام عبر الجربا، كان له تطبيقات في صفقة التسوية بين «حزب الله» و«سرايا أهل الشام» التي جرت قبل بدء المعركة الاخيرة في جرود عرسال، وذلك لجهة انه تضمّن ليس فقط تحييدها بل ايضاً أجندة مصالحة مع النظام السوري.
وتوضِح مصادر مطّلعة هذا الامر بلَفت النظر الى أنّ «بروفا» نقل نازحين سوريين الى مناطق سورية في مناسبة صفقة إخراج «النصرة» من شرق لبنان، تتّسِم باستِتباعَين مهمّين سيكون لهما تتمة في المرحلة المقبلة:
أوّلهما يتصل بالنازحين الذين غادروا مع «النصرة» الى ادلب. وهؤلاء، من وجهة نظر دمشق و«حزب الله»، يمثّلون مساراً أمنياً صِرفاً وظرفياً.
امّا المعنى الثاني الذي يتم تحميله وصف «إنطلاق مسار سياسي مستدام»، فيتعلّق بنجاح «حزب الله» بالفصل خلال المعارك بين «سرايا أهل الشام» و«النصرة»، وما تبع ذلك من تنظيم عملية نقل لمسلحيها والنازحين القاطنين في مناطق سيطرتها، مُنفصلة عن عملية نقل النازحين الذين رافقوا مسلحي «النصرة».
فـ«سرايا أهل الشام» كانت قد ولِدت كائتلاف جَمعَ بين اربع تجمعات قلمونية، وشارك في تأسيسها «أبو طه» العسالي الذي لديه علاقة بالنظام السوري، وهو عينه الذي اعتمد عليه «حزب الله» في إبرام صفقة تفاوض قبل بدء معركة عرسال مع «سرايا أهل الشام»، وأنتجَت صفقة متكاملة معها لا تتضمن فقط تحييدها من المعركة مع «النصرة»، بل ايضاً تنظيم صفقة مصالحة مع النظام السوري، تتمثّل بانتقالها مع مسلحيها والنازحين القلمونيين المحسوبين عليها من مخيمات عرسال الى البلدات السورية القلمونية التي نزحوا منها والعودة الى كنف الدولة السورية والتصالح معها.
وتمّ تدعيم هذا الاتفاق ايضاً بالحصول على تعهدات من النظام السوري بأنه مستعد لإعادتهم، وان يكون نموذجهم بداية لإعادة نازحي قرى بكاملها ضمن صفقات لاحقة مشابهة، تشمل نازحين آخرين ينتمون الى بيئات معارضة مسلحة مستعدة للمصالحة.
وعليه، تمّ تَقصّد تأجيل ترحيل النازحين المحسوبين على صفقة ترحيل مسلحي «سرايا أهل الشام» الى مرحلة ثانية تَلي ترحيل نازحي «النصرة»، والمقصود من ذلك تسليط الضوء عليها كبداية مَسار سَيَلي معركة عرسال ويُفضي الى عودة نازحين سوريين الى مناطق سيطرة الدولة السورية.