Site icon IMLebanon

السعودية لم تروِ غليل «الرماديين»!

 

لم ترو المقاربة السعودية للملف الرئاسي كفايةً غليل مَن كانوا يتوقعون ان تكون الرياض أشد وضوحاً في هذا الملف، وتحديداً لجهة تأييد او رفض انتخاب سليمان فرنجية، بنحوٍ مباشر لا يتحمّل المواربة.

 

منذ أشهر واللبنانيون ينتظرون الترياق الرئاسي من الخارج، تعويضاً عن عجزهم الفاضح وإخفاقهم الفاقع في معالجة شؤونهم بأنفسهم. وعلى رغم كل المحاولات الشكلية للبننة الاستحقاق خلال الأشهر الماضية، الا انّ غالبية الجهات السياسية كانت تترقّب ضمناً «كلمة السر» العابرة للحدود، وهذا لم يعد سراً.

 

وعندما حصل الاتفاق السعودي – الايراني والتقارب السعودي – السوري، افترض كُثر انّ «كود» بوابة قصر بعبدا سيصل بالبريد الديبلوماسي قريباً الى الكتل النيابية، ما دام المتنازعون في الإقليم، وهم من أصحاب النفوذ القوي في لبنان، قد اتفقوا على معالجة خلافاتهم او تنظيمها.

 

غير انّ الناخبين الكبار فاجأوا القوى الداخلية، بل أحرجوها، بامتناعهم حتى الآن عن النزول بكل ثقلهم في صندوق الاقتراع، واكتفائهم بإسداء النصح لها بأن تتوافق على اسم الرئيس المقبل، من دون أن يكون هناك ضغط حقيقي عليها لدفعها الى الانخراط في تسوية معلبة.

 

واللافت، انّ السعوديين والايرانيين تقاطعوا بعد تقاربهم عند دعوة اللاعبين المحليين الى تحمّل مسؤولياتهم في اختيار الرئيس المقبل، انطلاقاً مِن كَون هذا الاستحقاق هو شأن سيادي لبناني، علماً انّ هناك من يعتبر انّ تفادي الخارج حتى الآن إصدار «أمر المهمة» رئاسياً على قاعدة نفّذ ثم اعترض، إنما يعود إلى أنّ اللحظة المؤاتية لم تكتمل بعد لإنتاج تسوية اقليمية دولية متكاملة حول هوية الرئيس وجدول اعماله، الأمر الذي أعاد توسيع رقعة المناورات الداخلية.

 

ويبدو انّ بعض النواب «الرماديين» خابَ أمله في الطرح السعودي «المطّاط» الذي ترك هامشاً للدور الداخلي، وفق معادلة انّ الرياض لا تضع «فيتو» على مرشح ولا تدعم مرشحاً، وإنما تترك للبنانيين ان يتوافقوا على رئيس، ثم تحدّد هي موقفها منه تِبعاً لسلوكه وخياراته.

 

هذه المقاربة القابل تفسيرها لأكثر من اجتهاد أدّت الى ازدياد الحيرة في صفوف المترددين الذين كانوا يتطلعون الى ان تكون المملكة أكثر حسماً في خيارها وأن تحدد بلا التباس اتجاه البوصلة التي تقود الى قصر بعبدا، الّا انّ ذلك لم يحصل، فأصيب النواب المترقّبون لإشارة سعودية واضحة وقاطعة بـ»دوار سياسي».

 

ويقول أحد هؤلاء النواب مازِجاً بين المزاح والجد: السفراء والموفدون حيّرونا وضيّعونا ولم نعد نعرف ماذا نفعل ومن نسمّي… السعودي والقطري والاميركي والايراني يعتبرون في أدبيّاتهم انّ انتخاب الرئيس ينبغي أن يتم بالتوافق الداخلي، والداخل المُشتّت والمُبعثر أعجز من ان يتفاهَم وحده على مرشح واحد.

 

ويضيف النائب مع ضحكة مرّة: بصراحة وصدق، ما يجري حالياً هو ان لا نحن كلبنانيين نعرف ان نختار الرئيس ولا الفاعلون إقليمياً ودولياً يختارونه لنا، ولا هم أيضا يزيحون من الدرب!

 

ويقر النائب «المحتار» انّ «الأفضل وسط الانقسامات الداخلية ان يدفع الخارج نحو دعم اسم محدد بدلاً من ان يوحي بأنه ترك الأمر لنا».

ويضيف المصدر النيابي الوسطي: «نحن نعلم جميعاً أنّ القوى الخارجية مؤثرة وان هناك في لبنان من لا يَرد لها طلباً اذا كانت حازمة في طلبها، ولكنها لم تحسم أمرها بعد».

 

ويتابع النائب الصريح في تظهير حقيقة مكنوناته: «أما نظرية انّ الاستحقاق الرئاسي هو شأن داخلي وعلينا أن نتفاهم على رئيس، ثم يحدّد اللاعبون العابرون للحدود موقفهم منه وفقاً لنمط تصرفه، فهذه حزّورة صعبة ومغامرة غير مضمونة، إذ ماذا لو تبيّن لاحقاً انّ الرئيس الذي اخترناه لم يكن على ذوق العواصم الإقليمية والدولية ؟ هل سيكون علينا حينها أن نسدّد طوال ولايته فاتورة سوء تقديرنا ؟».