الصحافي جدعون ليفي يقول: “اقتحامنا لمسجدهم كان غلطة كبرى، لم يُحسب لها حساب، لذا فالكيان في ورطة، فهمنا الدرس والحلّ ليس في قتال حركة “حماس” المتوحّشة، فهم ليسوا جيوشاً عربية منهارة يقودها عملاؤنا، ولا كلابُ مالٍ نستطيع أن نوجههم كالخراف… فالمشكلة في عقيدتهم وإيمانهم بأنّ فلسطين لهم وليست لنا، نهايتنا قريبة ولن تنفعنا أميركا ولا الحكام العرب المكروهون من شعوبهم”.
استوقفني هذا القول لصحافي إسرائيلي على منصّة “اكس”، لا أعرفه لكنّ مضمون ما جاء في كلمته هو ما دفعني الى التمعّن في كلامه، فأقول لنفسي: أين العرب؟ أين المملكة العربية السعودية؟
في البداية لا بد وأن نصلّي ونفرح للبطولات التي يسطّرها يومياً هؤلاء المقاتلون أصحاب الإيمان والذين يؤمنون بفلسطين: بأرضها وشعبها، وبأنّ فلسطين هي للفلسطينيين فقط.
75 سنة وهذا الشعب المسكين المظلوم الذي اضطهد من أشد المنظمات إرهاباً وهي الـ”هاغاناه” التي لعبت دوراً عسكرياً في تأسيس إسرائيل عام 1948، وارتكبت أعمالاً إرهابية وبوحشية لا توصف.
ومنذ بداية القرن الماضي والمؤامرة مستمرة على هذا الشعب المسكين، شُرّد وطُرد من دياره، احتلت أرضه وبيوته وهُجّر منها.. وها هم اليوم يريدون أن يكرّروا ما فعلوه به، ولكن في غزة أبطال هم أهل العزّة، وجميع أهل فلسطين معهم يختلفون عن فلسطينيي 1948. يومذاك اعتمد الفلسطينيون على العرب الذين قالوا لهم: سوف نحضّر جيشاً واحداً من الجيوش العربية ونسترجع فلسطين ونعيدكم إليها.
ما جرى أنّ إسرائيل قامت بحرب على العرب عام 1967، واحتلت سيناء والضفة والقطاع واحتلت الجولان في 5 أيام… ظنّ الاسرائيليون انهم يستطيعون أن يركّعوا العرب ويحتلوا أراضيهم بسهولة تامة.
جاءت حرب 6 أكتوبر أو 6 تشرين الأول حيث خاض الجيش المصري والجيش السوري والجيش الاردني والسعودي والكويتي والمغربي، ثم دخل الجيش العراقي عندما اشتد الضغط على سوريا، والتفّ الجيش الاسرائيلي على الجولان الى درعا ومنها الى سعسع ومنها الى دمشق، ولكن الجيش العراقي الذي دخل المعركة منع الجيش الاسرائيلي من التقدّم وأجبره على العودة الى الجولان.
هذه الحرب لم يتعلّم منها اليهود بأنهم لا يستطيعون أن يحتلوا الأراضي الفلسطينية ولا العربية حتى ولو كانت معهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وحتى لو وقف كل العالم مع الاسرائيليين فإنّ ذلك لن ينفعهم، لأنّ أبطال حركة “حماس” يسطّرون يومياً ملاحم من البطولات، وتكفي عملية “طوفان الأقصى” إذ قتلت 1200 إسرائيلي وأسرت 250 من 17 جنسية مختلفة ضمنهم أفراد من الجيش الاسرائيلي… هذه العملية وحدها لقنت إسرائيل أكبر درس في تاريخها.
طبعاً، أهل غزة مساكين يعانون من أبشع عمليات القصف والقتل والتدمير، فإنّ 12 ألف طن من المتفجرات رماها الجيش العبري على غزة، وهذا يعادل قنبلة ذرية.
أسأل نفسي سؤالاً بديهياً: ماذا فعلت الدول العربية أمام حرب الإبادة هذه، التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي ضد أهلنا في غزة؟
طبعاً لا شيء، الوحيد الذي يتصدّى لإسرائيل هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أصرّ على فتح “معبر رفح”، ورفض أن يُنقل الشعب الغزاوي الى صحراء سيناء، وأصرّ على بقائهم في فلسطين أو في النقب، أي في الأراضي الفلسطينية. أما بقية الدول العربية فاكتفت بالتظاهرات، وهنا لا بد من أن نتوقف عند المملكة العربية السعودية التي عوّدت الشعب العربي على أن تكون سبّاقة لنصرة أي دولة عربية تقع في محنة، فتدعو الى مؤتمر قمة عربية لبحث ما يجب أن يُعمل.. ومثالي على ذلك: الملك فيصل رحمة الله عليه، يوم اتخذ قراراً بوقف النفط عن أميركا وكلفه ذلك حياته، إذ ان أحد أولاد شقيقه قتله في ظروف غامضة.
أما الملك فهد رحمه الله، يوم دخل صدّام الى الكويت واحتلها، ولجأ حكام الكويت الى “الطائف”، طلب الملك عبدالله من الرئيس الاميركي جورج بوش الأب يومذاك إنقاذ الكويت، واستدان الملك فهد من البنوك التجارية ليدفع ثمن تحرير الكويت.
أما الملك عبدالله فقال لليهود: “إذا أردتم السلام: فدولة فلسطينية مقابل السلام”، ويومذاك أعلنت المبادرة العربية في بيروت في آذار من العام 2002.
أما الملك سلمان، أطال الله في عمره وعمر ولي عهده، فإنهما يعيشان في عالم آخر، خصوصاً عندما علمنا أنّ موضوع التطبيع مع إسرائيل قطع أشواطاً بعيدة، ولولا حرب غزة لكانت الأمور قد انتهت.
أريد أن أوجّه رسالة صغيرة الى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان:
أولاً: يكفي أنّ حرب اليمن كانت أكبر غلطة في حياتك.. ولو كان عمّك الأمير سلطان موجوداً لم يكن ليسمح بتلك الحرب لأنه يعلم تكلفتها.
ثانياً: كلفة حرب اليمن وصلت الى 1000 مليار دولار.. فمَن سيدفعها غير الشعب السعودي؟
ثالثاً: التطبيع لن يكرّسك ثابتاً على عرشك.
رابعاً: عودة الى العرب وعودة الى العروبة وعودة الى الإسلام.
خامساً: أهنئك على قرار السماح للمرأة بقيادة سيارة.
سادساً: حملة الترفيه والمطاعم والسياحة جميلة جداً، ومجيء رونالدو وميسي وهيفاء وهبي وأليسا لا يحمون عرشك.
سابعاً: لم تكن موفقاً في إجابتك على عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في سفارة السعودية في اسطنبول على يد فريق سعودي خاص، والطريقة البشعة التي تمّت بها العملية.