Site icon IMLebanon

الواقع والرهان على الربح فقط

 

 

طريقة “حزب الله” في إدارة المعارك صارت مألوفة. والإنطباع السائد هو أنه يدرس الأمور في العمق، ويبني قراره إنطلاقاً من المعلومات ضمن إعطاء الأولوية لمستقبل “المقاومة الإسلامية”. ففي المعارك العسكرية، يضع حساباً للربح وحساباً للخسارة، لكنه يرفع في النهاية شارة النصر، بصرف النظر عما حدث على الأرض. وهذه هي الطريقة الإيرانية، حيث الملالي منتصرون دائماً على “الأعداء” حتى في مواجهة العقوبات الأميركية وقبلها الدولية القاسية. وفي المعارك السياسية يضع “حزب الله” حساباً وحيداً للربح فقط. لا يعدّل قراره مهما طال الوقت حتى يستسلم الآخرون أمامه.

 

هكذا فعل في إدامة الشغور الرئاسي بين عامي 2014 و 2016 حتى إنتخاب مرشحه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وهكذا يفعل حالياً في ترشيح زعيم “المردة” سليمان فرنجية. وهو يبدو اليوم أكثر ثقة بعد تطورين إقليميين: أولهما تبدل في المواقف العربية لجهة الإنفتاح على سوريا. وثانيهما تتويج المحادثات السعودية-الإيرانية في بكين بإتفاق مهم عملت له الصين بمبادرة من الرئيس شي جينبينغ.

 

والمنطق الذي تحدث به السيد حسن نصرالله هو أن الإتفاق “تحوّل جيّد يزعل أناساً في لبنان، أما نحن فسعداء وثقتنا كبيرة بأنه لن يكون على حسابنا ولا على حساب اليمن ولا على حساب المقاومة، لأن أحد طرفيه، أي الجمهورية الإسلامية في إيران لا يخلع صاحبه”، في إشارة الى ما فعله أبو موسى الأشعري حين خلع صاحبه في بداية التحكيم بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. كذلك أعرب عن ثقته بأن “سوريا ستبقى في قلب محور المقاومة، والإنفتاح العربي عليها ليس سوى إعتراف بنصرها وإعلان اليأس، حيث تؤشر التحولات الدولية في المنطقة الى أن الحصار في اليمن وسوريا ودول المنطقة سينكسر”.

 

لكن الظروف في لبنان والمواقف السياسية والنيابية مختلفة في هذه الأيام عما كانت عليه خلال الشغور الرئاسي الذي أدى الى التسليم برئاسة عون. وتصوير الإتفاق السعودي-الإيراني بأنه ربح لطرف واحد على الصعيد الإقليمي هو الطرف الإيراني، لا ينطبق على منطق الإتفاقات. فليس هناك إتفاق لا يضمن مصالح الطرفين إلا إذا كان أحدهما مهزوماً بالكامل أمام طرف منتصر.

 

وهي دائماً إتفاقات لها مضاعفات خطيرة. هكذا كانت المعاهدات التي فرضها نابوليون بونابرت على الدول المهزومة والتي قيل فيها أن كل معاهدة قادت الى حرب أخرى. وهكذا أدت معاهدات المنتصرين في الحرب العالمية الأولى والتي أذلت المانيا الى ظهور هتلر والحرب العالمية الثانية. وها هي المانيا تستعيد وحدتها ودورها السياسي والعسكري بعدما تقاسمها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية. واليابان إستعادت قوتها الإقتصادية وتستعيد دورها السياسي والعسكري بعدما قصفت أميركا هيروشيما وناغازاكي بالسلاح النووي وفرض الجنرال دوغلاس ماكارثر على أمبراطورها توقيع وثيقة الإستسلام.

 

ذلك أن الصفقات المفترضة بين الرياض وطهران حول القضايا الإقليمية، وبينها لبنان واليمن، ليست ناضجة ولم تحدث بعد، وتحتاج الى إجتماعات على مستوى القمة لأصحاب القرار. والذين راهنوا على صفقة سعودية-إيرانية أو أميركية-إيرانية لتسهيل الإنتخاب الرئاسي سمعوا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يقول لهم: “لبنان يحتاج الى تقارب لبناني وليس الى تقارب سعودي-إيراني”. ولا مهرب في المعارك السياسية من حساب الربح والخسارة والإستعداد لهما معاً.

 

يقول ماوتسي تونغ: “الوضع ممتاز ما دامت فوضى كبيرة تسود تحت السماء” على أساس أن الفوضى فرصة للتقدم. لكن لبنان المنهار ليس في هذا الوضع.