IMLebanon

الاتفاق السعودي الإيراني ما بين التمنيات والهواجس التاريخية

 

 

كثرَ الحديثُ عن مُستقبل الاتِّفاق السُّعودي ـ الإيراني الذي جرى برعايةٍ صينيَّةٍ مؤخَّراً وتم تسويقُهُ على أنه تحولٌ محوريٌّ سيكون له انعكاساتٌ إيجابيَّةٌ هامَّةٌ ومُتنوِّعةٌ على الصَّعيدين الدَّوليّ والإقليمي كما على الصَّعيد اللبناني بخاصَّة، لكون لبنان يمرُّ بمرحلةٍ حرجةٍ سياسيَّاً واقتصاديَّاً وماليَّا وربَّما أمنيَّا؛ نرى أن تلك الآمالُ أقرَبُ إلى المُرتجى منه إلى  الواقِعيَّة، والغريبُ في الأمرِ سُرعةُ التَّحوُّلِ في مواقِفِ العديد من السِّياسيين اللبنانيين ومن يعتبرون أنفُسَهُم مُحلِّلين سِياسِيين واستراتيجيين من مَواقِفَ عدائيٍّةٍ تجاهَ أحدِ أطرافِ الاتِّفاقِ إلى مواقِفَ مُرحِّبٍةٍ به مُعولةً على نتائجهِ قبلَ أن تتبيَّنُ معالِمُها، وهذا لا يعني أننا لَسنا من الرَّاغبينَ في مُصالحةٍ سعوديَّةٍ إيرانيَّة حقيقيَّةٍ كفيلةٍ بتَخفيفِ حِدَّةٍ التَّشنُّجاتِ الإقليميَّة؛ إنما قراءتنا له تنبعُ من الاقتباسِ من الحَقائقَ التَّاريخيَّةٍ والسَّوابِقِ غيرِ المُشجِّعَة للتوجُّهاتِ الإيرانيَّة، كما من تقييمٍ مُجرَّدٍ يقومُ على تشخيصِ الواقِع مع الأخذِ بعينِ الاعتبارِ للعوامِلِ الدَّوليَّةِ والإقليميَّةِ والدَّاخليَّةِ الخاصَّةِ بكل من الطَّرفين المؤثِّرةِ في ما سَيؤولُ إليه هذا الاتِّفاق وما سيُسفِرُ عنه من نتائج، وهذا ما يدفعُنا للتَّساؤلِ عما إذا كان الخيارُ التّفاوضي الخاص بكُل من الطَّرفين نابعاً من توجُّهاتِ استراتيجِيَّةٍ ثابتةٍ أم مُجرَّدَ تكتيك مرحلي، الغرضُ منه تمرير مرحلةٍ حرجةٍ بانتِظارِ تغيُّرِ الظُّروفِ والمُعطيات.

ليس بخافٍ على أحد أن نِسبةَ التَّفاؤلِ وعقدِ الآمالِ لم تكن واحِدةً لدى طرفي الاتِّفاق، ففي الوقتِ الذي بالغت إيرانُ في تصويرِ الاتِّفاقِ على أنه منفذٌ لمرحلةٍ جديدةٍ من التَّعايُشِ بين البلدين،  حرِصت المملكةُ على عَدمِ المُبالَغَةِ في تحميلِه ما لا يَحمِله. وذلك على الرَّغمِ من أن هذا الاتِّفاق هو حاجَةٌ مُلِحَّةٌ بالنِّسبةِ للمملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ التي هي أحوجُ ما تكون لتحقيقِ استِقرارٍ دائمٍ في مِنطَقَةِ الخليجِ العربي بخاصّةٍ ومنطقةِ الشَّرقِ الأوسَطِ عامَّة لتتفرَّغَ إلى تحقيقِ رؤياها التَّنمويَّةِ المُستقبليَّةِ المبنيَّةِ على فكرٍ تغييريٍّ نَهضوي. أما إيران فعلى خِلافِ ما تُعلنه تتطلَّعُ إليهِ باعتبارِهِ حاجةً مَرحليَّةً أملته الضَّروراتُ الماثلةُ في كبحِ جماحِ العقوباتِ الأميركيَّةِ والرَّغبةِ الإسرائيليَّةِ في القضاءِ على مَشروعِها النَّووي، والتَّفرُّغِ إلى إخمادِ الإنتفاضةِ الشَّعبيَّةِ داخِلَ أراضيها.

مواقفُ الجُمهوريَّةِ الإسلاميَّةِ في إيران تجاهَ الدُّولِ المُجاورةِ لها مَحكومةٌ بنزعتِها التَّوسُّعيَّةِ القديمةِ ـ الجديدة، باعتِبارها جمهوريَّة ذات طابعٍ سياسيٍّ خاص، إذ تعملُ بتوجُّهاتِ المُرشدِ الأعلى التي تفوقُ من حيثُ أثرها وقوَّةِ نفاذِها على قراراتِ السُّلطتينِ التَّشريعيَّةِ والتَّنفيذيَّةِ فيها، وبالتَّالي هي أقربُ إلى سُلطةٍ أحاديَّةٍ ومَركَزِيَّةِ القَرار، على غِرارِ الدِّكتاتوريَّاتِ التي حَكَمَت إيران سابقا، منذ الإمبراطوريَّةِ الفارسيَّة التي تأسَّست في القرنِ الخامسِ ق. م  وبالتَّحديد منذ عام 559 ق. م، وما أشبه اليومَ بذاك التاريخِ الغابرِ حيثُ لم تعرِفَ العلاقةُ ما بين الإمبراطوريَّةِ الفارسيَّةِ بجيرانها شيئاً من الاستقرارَ والسِّلمِ والاستئمان، وهذا ما يُستدلُّ عليه من صراعاتِها العسكريَّةِ شبهِ الدَّائمةِ مع الدُّولِ العربيَّة والأمبراطوريَّةِ اليونانيَّةِ والسَّلطنةِ العُثمانيَّة وغيرِها من الدُّولِ الآسيويَّة، وكُلنا على اطلاعِ على اتِّساعِ نِطاقِ نُفوذِ الإمبراطوريَّةِ الفارسيَّةِ بحيث شملَ وَسَطَ  آسيا وأجزاءَ من القوقازِ والهِندِ والبَلقانِ بالإضافَةِ إلى بلادِ الشَّام بما فيها بيت المَقدِسِ ومِصرَ والسُّودانِ وليبيا، ومناطِقِ على سَاحِلِ اليونانِ ومَقدونيا. بحيثُ كانت تعتمِدُ في بسطِ نُفوذِها على غزواتٍ وحُروبٍ مُتلاحِقَةِ مكَّنتها من إحكامِ سَيطرَتِها على عددٍ من الدُّولِ والمُستعمراتِ والمُدنِ التي انتُزِعَت عُنوَةً من جيرانِها، هكذا كانت توجُّهاتُ ملوكِ إيران «كِسرى» أي ملك الملوك، ولم تكن بأفضلِ منها سياسةُ شَّاه إيران تجاهَ جيرانه، وكذلك ثورتُها الملاليَّةِ ذاتِ الإيديولوجيَّةِ القائمةِ على مبدأ تصديرِ الثَّورةِ. وأوجُهِ الشَّبه لا تقتصر على التَّوجُّهاتِ التَّوسُّعيَّة، إنما تطالُ العقيدةَ القِتاليَّةَ وارتباطِ الجيوشِ بالإمبراطور أو القائد الأعلى التي تدينُ له بالولاء. وهذا ما يُترجِمُ ارتباطَ الحرسِ الثوري والباسيجِ وفيلقِ القُدسِ بالمُرشِدِ الأعلى وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ للأذرُعِ الخارجيَةِ التي لها مرشِدُها الذي يرتبطُ مُباشرةً بالمُرشِدِ الأعلى.

في المقابلِ، لم يسبق أن ظهرَ من سياساتِ المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ أيَّةِ تلميحاتٍ أو صدرَ عنها أيَّةِ مُؤشِّراتٍ توحي بوجودِ رغبةٍ لدى حُكَّامِها في التَّدخُّلِ في شؤونِ الدُّولِ الأخرى، وكل ما يعبرون عنه ويتَّخذونهُ  من مواقِف توحي بحرصِهم على تثبيتِ الإستقرار في منطقةِ الشَّرقِ الأوسطِ وبخاصَّةٍ في منطِقةِ الخليجِ العربي. وأن جلَّ التَّدخُّلاتِ العربيَّةِ عيرَ التاريخِ في إيران تمثَّلت في ردعِ الغزوات الفارسيَّةِ والحَدِّ من نفوذِها في البلادِ العربيَّةِ حتى أن فتحَ العِراقِ وإيران جاءَ ردَّاً على الاعتِداءاتِ الفارِسيَّةِ المُتكرِّرةِ على بلاد ما بين النَّهرين، وقد أسفرَ عن نشرِ الدَّعوةِ الإسلاميَّة التي أنتشلت الفُرسَ من الوثنيَّةِ وتَخليصِ الشَّعبِ من جَبروتِ الطُّغاة، وبعدَ ذلك كانت حُروبُ العِراق وإيران في ظِلِّ حكمِ الشَّاه والتي كانت نتاجَ التَّعدياتِ وأطماع إيران في العِراقِ وعَربِستان، والتي كان آخِرُها حَربُ الخليجِ الأولى التي وَقَعت بُعيد استلامِ الثَّورةِ الإسلاميَّةِ لمقاليدِ الحُكمِ في إيران، بغرضِ وقفِ الانتهاكاتِ الإيرانيَّة على الحدودِ مع العراق، التي كانت تتعرَّضُ لها المدنُ العراقيَّةُ المُحاذيةُ لإيران.

وبالعودةِ إلى الاتِّفاقِ وما رشَحَ أو سُرِّبَ من فحواه أن إيران التزمت بموجبِهِ بالكَفِّ عن التّدَخُّلِ في شؤونِ الدُّولِ الأخرى بدءاً باليمنِ مروراً بالبحرينِ والعِراقِ ولبنانَ وسوريا، وعدمِ تقديمِ الدَّعمِ المادي والعسكري لأدواتِها الثَّوريَّةِ في تلك البُلدان، نرى أن ذاك التَّعهُّدَ غيرٌ مُتصَوَّرٍ لأن إيران في حال تخلِّيها عن مفهومِ تَصديرِ الثَّورةِ وامتناعِها عن توفير الدَّعمِ المعنوي والمادِّي والعسكري لأذرُعِها الخارجيَّةِ لا تعود تُشبهُ إيران التي عرفناها ونعرِفُها، لأن المسؤولون الإيرانيون يعون جيِّداً أن قوَّةِ إيران ليست في صَواريخِها البالِستيَّةِ البعيدةِ المدى، ولا  في مُسَيَّراتِها الجَّويَّة إنما بأدواتِها الميليشياويَّةِ التي تُمكِّنُها من مناوءَةِ خصومِها وأعدائها، بتقليبِ بعضِ المواطنين على حُكامِهم، أو بارتكابِ أعمالٍ عِدائيَّةٍ تخريبيَّة، أو تصفيةِ مُعارضي النِّظامِ والمعارضينَ لتوجهاتِهم، أو بتَصفِيَةِ رِجالِ الفِكرِ والمناوئينَ لسياساتِها التَّوسُّعِيَّة، وتقويضِ مرتكزاتِ الاستقرارِ السِّياسي والاقتِصادي والمالي في الدُّولِ التي تُخاصِمها.

هذه المُعطياتُ ليست بأسرارٍ دبلوماسيَّةٍ أو عسكريَّة، وهي ليست بخافيةٍ على المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّة ومسؤوليها الذين يعرفونَ جيِّداً أن الصَّواريخَ والمُسيَّراتِ التي أُطلِقَت من اليمنِ مُستهدفةً مَرافِقها الحَيَوِيَّةِ ومَصافي النَّفطِ لديها هي ذاتُ منشأ إيراني، وأنها أُطلِقت بأيادِ خُبراءَ إيرانيين، وأن اليمنيين أعجزُ من أن يُنالوا من هدفٍ واحِدٍ في المملكة؛ والسُّعوديون يعلمون عِلمَ اليقينِ أن تصفيةَ كُلٍّ من صدَّام حسين وعلي عبد الله صالِح ورفيق الحريري كُلُّها تصبُّ في خدمةِ المشروعِ الإيراني، وهم يعلمون أيضاً أن إيرانَ التي تُظهِرُ عداءً لإسرائيلِ سبقَ وتعاونت معها واستَحصَلت على الأسلِحَةِ منها إبان حربها مع صدَّام حسين، والتي كُشِفَت تفاصيلُها بفَضيحَةِ إيران ـ غايت، وأن تذرُّعها بدعمِها للقِوى الفِلسطينيَّةِ يُناقِضُهُ عدمُ إطلاقِها ولو صاروخاً واحِداً على الكيان الإسرائيلي الذي تقولُ أنها قادِرَةٌ على تدميرِهِ وإبادتِه ومحوِهِ من الوجود، رغمَ أن هذا العدو المَزعوم قد أثقلها ضَرباً وإيلاماً داخِلَ إيران كما في سوريا. والمسؤولون السُّعوديون يدركون أيضاً أن ثمَّةَ اتِّفاقٌ أو تواردُ مصالِحٍ غير معلن ما بين الإدارة الأميركيَّةِ وإيران، بحيث سُخِّرت مُعظمُ الجهودِ والحروبِ الأميركيَّةِ في منطقةِ الشَّرقِ الأوسَطِ لخِدمةِ مصالِحِ النِّظامِ الإيراني، من ذلك اجتياجُ أفغانستان واقتلاعُ النِّظامُ المناوئ للنِّظامِ الإيراني، كما إسقاط نِظام صدَّام حسين وإطلاق العنانِ للإيرانيين لتغييرِ وجهةِ العراقِ الثقافيَّةِ وتطلُّعاتِهِ العربيَّةِ وتقويضِ مُقدِّراتِ جيشِهِ العربي، وتدميرِ اقتصادِهِ وملاحَقَةِ عُلمائِهِ وتَصفِيَتِهم، ومن ثمَّ تكليفُ القوى المتحالفةِ مع إيران بإعدامِ غريمِهم.

وليسَ بعيداً عن هذا المنحى، ما قامت وتقوم به إيران في كل من سوريا والعِراق من عَملِيَّاتِ تَغييرٍ ديمغرافي والتي تجري على قدمٍ وساق وفقَ خُطَّةٍ مُسبقةٍ مُحكمةٍ وبرعايةٍ أميركيَّةِ ومُبارَكَةٍ غَربيَّةٍ، وهذا ما يُترجِمُ إصرارَ الغربِ على رفضِ عَودَةِ أو إعادَةِ النَّازحينَ العراقيين والسُّوريينَ إلى ديارِهم. ولا ينسى المسؤولون السعوديون سعيَهم المتكرِّرِ إلى ترميمِ العلاقاتِ مع النِّظامِ الإيراني وإصلاحِ ذاتِ البينِ ودعوةِ المسؤولين الإيرانيين للتَّفاهمِ والتَّوافُقِ منعاً لتفاقُمِ الأمورِ من دونِ تحقيقِ أيَّةِ نتائجَ ملموسة، بل غالباً ما كانت النَّتائجُ على خلافِ المُرتجى. المسؤولون السُّعوديون كغيرِهم من العرب كانوا ليبدوا حِرصاً على بناءِ أفضلِ العلاقاتِ مع النِّظامِ الإيراني كما على جيشِ إيران وترسانتِها العسكريَّةِ وحتى مفاعِلِها النَّووي ولوقفوا إلى جانِبها ولرَفضوا التَّطاولَ عليها من قبلِ الكيانِ الإسرائيلي لو أن المَسؤولين الإيرانيين أحسَنوا التَّعامُلَ والنوايا تجاهَ أشِقائهم العرب، واحترموا سيادةَ دولِهم ولم يَتدخَّلوا في شؤونِها الدَّاخليَّة؛ إلاَّ أن العديدَ من الدُّولِ العربيَّةِ لا تأمنَ الجانبَ الإيراني نتيجةَ النُّكولِ المتكرِّرِ بالتَّعهداتِ السَّابقة، ولم تعد على استِعداد  لتلقي المزيدِ اللَّدغاتِ من الجُحرِ ذاتِه مُثنى وثُلاث ورُباع وخُماس؟؟؟

نحنُ نتمنى لو أن الاتفاق السُّعودي الإيراني مبنيٌّ على توجُّهٍ إيرانيٍّ استراتيجي صادِقٌ، وليس مُجرَّدَ مُناورةٍ تكتيكيَّةٍ أملت على إيران إبرامَها كمسايرةٍ لجيرانِها العرب وفي طليعتِهم المملكَةُ العَربيَّةُ السُّعوديَّة، لتمريرِ هذه المرحلةِ الحسَّاسةِ بالنِّسبةِ لإيران، فعلى السَّاحةِ الدَّوليَّة نرى أن حليفَها الرئيسي بوتين غارقٌ في المُستنقعِ الأكراني، وأميركا تَمطِرُها بالعقوبات وتُهدِّدُها بإنزال المزيد منها تحت ضُغوطٍ إسرائيليَّةٍ مناديةٍ بضرورةِ ضربِ مفاعلِ إيران النَّووي قبلَ نفاذِها في إنتاجِ قنبُلةٍ نوويَّة، بعد أن بيَّنت نتائجُ التَّحاليلِ المِخبرِيَّةِ لعيِّناتٍ من اليورانيوم، أخذت من إحدى المُنشاءاتِ النَّوويَّةِ في إيران، أن نِسبَةَ التَّخصيب قد وصلت إلى 80 % ما يُشيرُ إلى أن إيران لم تعُد بعيدةً عن امتلاكِ قنبلةٍ نوويَّةٍ ودخولِها  إلى نادي الدُّولِ النَّوويَّة.

حبذا لو يُقدِمُ المسؤولون في إيران على إجراء تقييمٍ ذاتّيٍّ بعد مرورِ ما يقاربَ خمسةِ عقودٍ من الزَّمن على ما يُسمونهُ بثورتِهم الإسلاميَّة، من خلالِ تشخيصِ ما وصلت إليه أحوالُهم داخليَّاً وأحوالُ الشُّعوبِ والدُّولِ التي تطاولوا على سيادتها، إعمالاً لخيارِ تَصديرِ الثَّورة، وما جرَّت حُروبهم وتدخُّلاتُهم على شَعبِهِم أوَّلاً كما على شُعوبِ الدُّولِ التي انغَمَسوا فيها من ويلات، والتي دفعت بالفئاتِ التي تعملُ إيرانُ على استمالتها إلى التأكيدِ على انتِمائها العربي وتوجُّهاتِها التَّوحيديَّةِ ورفضِها لأيَّةِ محاولاتٍ تفتيتيَّةٍ فئويَّةِ مَذهبيَّة. والتقييمُ الصَّحيحُ ينبغي أن يبنى على ضوءِ  إجابَاتٍ صريحةٍ على أسئلةٍ مَشروعة منها: هل وضعُ الشَّعبِ الإيراني اليوم هو أفضَلٌ مما كان عليه أيَّام الشَّاه؟ وهل أن أوضاعَ الشَّعب العِراقي أفضل من أيام حكم البعثِ وصدَّام حُسين؟ وهل أن وضع اليمنِ وشَعبِها أفضلُ مما كان عليه أيَّام علي عبد الله صالِح؟ وهل أن طموحَ الشَّعبِ السُّوري مُتجسِّدةٌ  في نِظام البعث الحالي الذي دعمته إيران بكل قواها؟ وهل أن لبنان واللبنانيين هم أفضلُ مما كانوا عليه قبلَ انخراطِ حزب الله في خياراتٍ تتعارضُ مع هويَّتِهِ العربيَّة؟ ألا يُلاحِظُ المسؤولون الإيرانيون أن الفوضى وانتشارَ الفسادِ وعَدمَ الإستقرارِ السِّياسي الأمني والانهيارَ الاقتصادي والمالي والنَّقدي هي مَلامِحُ جامعةٌ بين جميعِ الدُّولِ التي تدخَّلت إيرانُ في شؤونِها؟ ألا يلاحِظون أيضاً أن وضعَ الشَّعبِ الإيراني كما النِّظامِ القائمِ في إيران ليست بأفضلِ حال؟

وإن كان للثَّورةِ الإيرانيَّةِ خياراتُها وتطلُّعاتُها وثوابِتُها التي قد لا تحيدُ عنها إلاَّ بتغييرٍ بنيويٍّ في تركيبةِ النِّظام، والتي لا يُمكنُ أن يَحصلَ إلاَّ بثورةٍ شعبيَّةِ تتطلَّبُ الكثير من التَّضحيات إلاَّ أن ذلك شأنٌ إيرانيٌّ داخلي محض. يبقى السُّؤالُ عن الخياراتِ العربيَّةِ تجاه كُلِّ المخاطِرِ الخارجيَّةِ سواء تمثَّلت في الكيان الإسرائيلي أم في النَّزعةِ التَّدخليَّةِ الإيرانيَّة، وهنا نسأل: ألم يحن الأوان بعد للعملِ على توحيدِ الصَّفِّ العربي، وإعادةِ تفعيلِ الجامِعَةِ العَربِيَّة، والتأكيدِ على التَّوجُّهاتِ والخَياراتِ العَربيَّةِ بتبني استراتيجيَّةٍ عربيَّةٍ موحَّدةٍ تَضعُ وحدةَ الصَّفِ العربي والمصالِحَ العربيَّةَ في سُلَّمِ الأولويَّات. وفي ظِلِّ تراجعِ الدَّورِ المحوري لمصر وانشِغالِها بأزماتِها الاقتِصاديَّةِ والتَّهديداتِ المائيَّةِ المتأتيَةِ عن إقامَةِ سدِّ النَّهضةِ في أثيوبيا، وتفريطِها في الحِفاظِ على وِحدةِ السُّودان، نرى أن الأنظارَ تتوجَّهُ اليوم إلى المَملكةِ العَربيَّةِ السُّعودِيَّةِ بقيادَتِها الشَّابَّةِ والطَّموحَةِ للقِيامِ بهذا الدَّورِ المِحوري.

 

* عميد متقاعد