بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بينهما، أعلنت المملكة العربيّة السعوديّة وإيران أنهما ستعيدان فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين وتفعيل اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني الموقعة بينهما قبل أكثر من ٢٠ عاماً، والاحترام المتبادل، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وقد تمّ الاتفاق بوساطة صينيّة لتصبح أول وساطة حقيقية تقوم بها الصين في منطقة الشرق الاوسط، والذي من شأنه تخفيف التوتر المنطقة وإنهاء الابتزاز الأمريكي للسعودية وكسر المقاطعة العربية لإيران. الّا أنّ رعاية الصين للاتفاق لا تعني بالضرورة تراجع الولايات المتحدة وتقدم الصين في المنطقة لأنّه من المبكر الإحاطة بكامل مفاعيل وتداعيات هذا الاتفاق.
من الواضح أن الولايات المتحدة تعتبر الخاسر الأكبر من المنظور السياسي جراء استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، فهذا الاتفاق سيسحب منها ورقة حماية السعودية من التهديد «الفارسي» ويُضعف الحصار الأمريكي لإيران، خاصة وأنه من المتوقع أن تستأنف دول عربية أخرى علاقاتها مع إيران. ومن جهتها أكدّت السعودية أن علاقتها مع الصين لا تعني أنها بديل لتحالفها مع الولايات المتحدة، كما انّه من السابق لأوانه الحديث على شراكة استراتيجية بين السعودية وإيران في ظل تشعب وتعقد الملفات الخلافية بينهما، ما يتطلب خطوات إضافية لتعزيز الثقة المفقودة بينهما.
من جهّة ثانية، قوبل الاتفاق بين القوتين الاقليميّتين بانتقادات حادة وُجهت في الكيان الصهيوني لرئيس وزرائه الذي قال سابقاً إنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران، الأمر الذي أصبح أكثر تعقيداً ويفرمل سعي الكيان الصهيوني لتطبيع العلاقات مع البلدان العربيّة.
أمّا الساحة اللبنانية فكانت الأكثر تأثراً بالاتفاق، واشتعلت المنصّات الإلكترونيّة بالخبر والترحيب وعمّت الإيجابية التفاعلات الرقمية، فالسعودية تُشكّل مرجعية لفئة كبيرة من الطائفة السنيّة وحلفاء آخرين من الطوائف المسيحية، كما تُشكّل إيران مرجعية لفئة كبيرة من الطائفة الشيعية. وقد اعتبر العديد من اللبنانيّين أنّ الاتفاق قد يكون مفتاح لحل الأزمات السياسية اللبنانية وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية وتنفيساً للجو المشحون والعداء بين الأطراف. كذلك اعتبر البعض أن الاتفاق سيأتي بحل للأزمة الاقتصادية الحاصلة لما للسعودية من باع طويل في تقديم المساعدات المالية أو الودائع والمُساعدة في الحفاظ على العملة الوطنية. إلّا أنّ السعوديّة أوصلت نصيحتها الى لبنان الرسمي واللبنانيّين عبر تصريح لوزير خارجيّتها الأمير فيصل بن فرحان الذي قال بشفافية ووضوح أنّ «لبنان يحتاج أن يعمل تقارب لبناني، ليس لبناني إيراني سعودي».
خلاصة الأمر أنّ حبر الاتفاق لا زال سائلاً لم يجف، وسيتم فتح السفارات بعد شهرين، ويعني ذلك ان هناك وقت محدّد لمراقبة تنفيذ ما اتفق عليه من حيث وقف التدخلات وتغيير النهج السياسي والامني الايراني في المنطقة. وممّا يعني أيضاً أنّ عدم الالتزام سوف يطيح بالاتفاق ويُحرج الصين التي ضمنت الاتفاق وابرمته في عاصمتها برغبة إيرانية.
المرحلة المقبلة كفيلة بتأكيد حسن سير الاتفاق من عدمه وإذا ما كان الاتفاق الذي وقعته إيران مجرّد مناورة لكسب الوقت والمزيد من المصالح. ويبقى السؤال الأساسي هل يتضمن الاتفاق، التي لم تكشف تفاصيله، انسحاب إيران من لبنان؟ وما هي تداعيات ذلك على اعوانها والتابعين لها؟.