يحاول بعض المسؤولين اللبنانيين إكتشاف مدى تأثير الإتفاق السعودي – الإيراني على لبنان بعدما بدأت مفاعيله تظهر في اليمن، لكن حتّى الساعة تبقى بنود الإتفاق مبهمة لكثر، وسط حال من الترقّب الحذر.
في لبنان، هناك فئة هلّلت للإتفاق، وأخرى تخوّفت من صفقة تكرّس «اليمن مقابل لبنان وسوريا»، وتكرار تجربة واشنطن مع دمشق عام 1990، لكن ما هو ثابت عدم تكريس الرياض السيطرة الإيرانية على لبنان والمنطقة، واستطراداً عدم القبول برئيس لبناني حليف لـ»حزب الله» مثل الرئيس السابق ميشال عون. وعلى رغم «الطحشة» الفرنسية باتجاه انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وغضب المسيحيين على باريس، إلّا أن هذا الأمر لم يُقنع الرياض، في وقت تتقاطع معلومات دبلوماسية فرنسية وروسية للتأكيد على وجود مساعٍ فرنسية جدية لتمرير اسم فرنجية، وللمرة الأولى منذ اندلاع حرب أوكرانيا ووقوع الصدام الروسي – الأوروبي، يتناغم موقف باريس مع موسكو التي تعتبر فرنجية قريباً منها وتعرّفه إلى المسؤولين الروس، بعكس قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي لم يزُر موسكو ولو لمرة بالرغم من توجيه عدّة دعوات رسمية له، إضافةً إلى اعتبار المسؤولين الروس أن العماد عون هو في الخندق الأميركي وليس معهم.
وتعتبر الأوساط أن تقديم إيران تنازلات للمملكة العربية السعودية في اليمن هو أمر متوقع لأنّ الغرض الرئيسي من الاتفاق بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو إنهاء النزاع في اليمن والتفرّغ لإنجاز مشروعه «رؤية 2030». لكن الواضح هو بثّ إيران أجواء مفادها الموافقة على تقديم تسهيلات في اليمن ووقف دعم الحوثيين وتسهيل الحل السياسي مقابل موافقة السعودية على تقديم تسهيلات للدور الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.
وحتى الساعة، لا تزال الأجواء الدبلوماسية تؤكد عدم موافقة الرياض على انتخاب فرنجية أو أي شخصية قريبة من «حزب الله» على رغم أنّ المعلومات تكشف أنّ الرياض كانت أثناء المفاوضات الطويلة مع إيران التي استمرّت حوالى السنتين متشددة بالنسبة إلى مطالبها في اليمن ومرنة في الملفات الأخرى، في حين تتقاطع المعلومات على عدم شمول الإتفاق السعودي- الإيراني أي بند يتعلّق بمستقبل سلاح «حزب الله»، بل كان تشديد الرياض على عدم تدخّل «الحزب» في شؤون الخليج الداخلية وزعزعة أمنه واستقراره ودعم جماعات معينة، ومن ضمنها جماعة الحوثيين، من أجل محاربة الرياض وهزّ أمن الخليج.
وبما أنّ أي اتفاق لم يشمل موضوع سلاح «حزب الله»، وحتى لو قدّم «الحزب» تسهيلات شكلية وسهّل انتخاب رئيس جمهورية، فتؤكد مصادر دبلوماسية استمرار هيمنة «الحزب» على القرار اللبناني والتحكم بشكل الحكومات وسياساتها بما يخدم مصالحه، واستمرار بناء مشروعه الخاص الذي يضرب مشروع الدولة ويُضعفها وسط استمرار الانقسام اللبناني العمودي، وحالياً الانقسام الماروني والتسابق على الكرسي الأول بين بعض الشخصيات المارونية التي تريد الرئاسة بأي ثمن حتى لو وصل البلد للانهيار التام، بعدما ساهمت فئة مسيحية معروفة بتغطية مشروع «حزب الله» ومساعدته على وضع يده على الدولة.
يتأمل الشعب اللبناني خيراً من الاتفاق، وسط تأكيد دبلوماسي أنه إذا سار الاتفاق السعودي- الإيراني كما يجب واحترمت طهران شروطه، فلن يبقى موقف الرياض بهذه الحدّة أو السلبية تجاه لبنان إذا تبدّلت هذه السلطة، وبالتالي لن يستمر التضييق المالي العربي كما هو حالياً، لأنّ الأجواء الإيجابية إذا تكرّست في اليمن فستمتدّ مفاعيلها حكماً إلى لبنان وربما سوريا، على رغم أنّ الأزمة السورية أكثر تعقيداً بوجود لاعبين كبار وعدد غير قليل من الدول المتورّطة، وطبعاً في ظل التوتر العالي بين موسكو وواشنطن.