Site icon IMLebanon

أيّ أفق للمواجهة الأميركية – الإيرانية فوق ضفتي الفرات؟

 

فرضت المواجهات شبه المباشرة بين واشنطن وطهران في شمال شرق سوريا الأسبوع الماضي قراءة جديدة لتداعيات الاتفاق «السعودي ـ الايراني»، إذ انه ليس سهلاً الفصل بين ما جرى وتداعياته طالما أنه لحظ توافقا على الاستقرار حيث المواجهة بينهما وسوريا إحدى ساحاتها. وان تمّ الربط بين الأحداث والسعي الى إحياء التبادل الديبلوماسي بين الرياض ودمشق فقد تتعقد الامور أكثر. وعليه، ما الذي يقود الى هذه السيناريوهات؟

قبل البحث في أسباب وظروف ما شهدته المناطق السورية الواقعة شرق مجرى نهر الفرات وغربه في الشمال الشرقي للأراضي السورية من مواجهات إيرانية ـ أميركية طاوَلت مواقع للطرفين في المنطقة، تجدر الاشارة الى انّ الشرارة انطلقت من عملية نفّذتها «طائرة مسيرة» قالت القيادة الاميركية في المنطقة انها ايرانية استهدفت «موقعاً اميركياً» يقع في منطقة النفود الاميركية عند مثلث الأراضي السورية ـ التركية ـ العراقية يوم الخميس الماضي، وأدّت الى مقتل متعاقد أميركي مع الجيش واصابة خمسة من الجنود اصابات مختلفة، اضطرّت القوات الاميركية بعدها الى الرد بقساوة على مراكز لمجموعات موالية لإيران في منطقتين غرب نهر الفرات.

 

ولم يطل الحديث عن غارات شنّتها طائرات حربية مجهولة، حتى تبنّت القيادة الاميركية العمليات العسكرية. وقالت انها طاوَلت مواقع للحرس الثوري الإيراني في بادية البوكمال شرق دير الزور، وموقعاً آخر للميليشيات في أطراف مدينة «الميادين» من الجهة الجنوبية، ومستودعاً للذخيرة في مركز الحبوب ومركز التنمية الريفية مقابل تجمّع منازل اسكان الضباط في حي هرابش في مدينة دير الزور. ولم تكتف القوة الاميركية بالكشف عن العملية فنشرت الصور والأفلام التي حدّدت المواقع معطوفة على توصيف دقيق وفق مسؤولين معنيين بهوية المواقع المستهدفة ومهماتها، قبل ان ترد المجموعات المسلحة بوابل من الصواريخ على المواقع الاميركية نفسها.

 

وفي هذه الاجواء، رفع الرئيس الاميركي من أهمية تلك المواجهة المباشرة، فوضعها في رسالة الى الكونغرس نشرت صباح الأحد الماضي في «مَصاف الخطوات الهادفة لتعزيز الأمن القومي والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة». وتزامناً مع إشارته الى انّ الغارات «استهدفت منشآت يستخدمها الحرس الثوري للقيادة وتخزين الذخائر»، اختتمها بوعد بأنه «سيتم توفير معلومات إضافية في ملحق سري الى الكونغرس».

 

وفي موازاة تأكيد الرئيس بايدن في رسالته الى الكونغرس حرص بلاده على «عدم وقوع إصابات بين المدنيين»، قال احصاء للمرصد السوري لحقوق الإنسان ان الغارات الاميركية أسفرت عن سقوط أكثر من 19 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى. وما رفع من خطورة المواجهة المباشرة بين واشنطن وطهران ان رَدّت الثانية مباشرة على المواقف الاميركية بلسان المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيفان خسروي ـ ومن دون ان يحدد هوية المراكز التي قصفتها الطائرات الاميركية قبل يومين ومدى قربها من الحرس الثوري تحديداً – بأنّ الهجمات على القواعد المرتبطة بإيران في سوريا تستدعي ردا سريعا. وجاء ذلك بعد ان حصرها بتلك «التي تم إنشاؤها بناء على طلب الحكومة السورية للتصدي للإرهاب وعناصر تنظيم «داعش» في البلاد». وكأنه يجري تصنيفاً لهذه القواعد يرفع «الحصانة الايرانية» عن المواقع غير المحكومة بالاتفاقات مع النظام السوري فيما هي، أياً كان وضعها، لا يمكن ان تنال اعترافاً بهذه الصفة لدى القوات الاميركية، فجميعها في سلة واحدة.

 

وانطلاقاً من هذه الوقائع توقفت مراجع ديبلوماسية امام أهمية اعتراف الطرفين الاميركي والايراني بمسؤوليتهما عن المواجهة شبه المباشرة بينهما. وقالت انها قد تشكّل وجهاً من وجوه تداعيات المواقف الناجمة من «اتفاق بكين» للتبادل الديبلوماسي بين المملكة العربية السعودية وإيران. ولذلك، طرحت أكثر من علامة استفهام حول موقع الازمة السورية وما يجري على أرضها ضمن سلّم أولويات الازمات العالقة بين الرياض وطهران وسبل مواجهتها في ظل الحديث عن ملف واحد قد تمّ التفاهم على طَيّه وهو يتعلق بالوضع في اليمن، قبل البحث في ملفات اخرى وتشمل ما يجري في العراق وسوريا ولبنان على ان يُصار الى البحث فيها لاحقاً.

 

واستطردت المراجع الديبلوماسية: إن لم تكن هذه المواجهة العسكرية الاولى من نوعها مرتبطة بتداعيات «تفاهم بكين» والأفخاخ التي تنتظر مراحلها التنفيذية، فما الذي يحول دون اعتبارها رداً مباشراً على بدايات الحديث عن احتمال إحياء العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وسوريا. وعليه، فإنْ ثبتَ انّ «الطلقة الأولى» في المواجهة الواقعة على ضفتي نهر الفرات كانت ايرانية، فهل يمكن ان تكون قد سبقت الولايات المتحدة في رفضها هذه الخطوة قبل ان يَخطو طرفا «وثيقة بكين» ما هو مطلوب من خطوات بينهما؟ وإن صحّت هذه النظرية فإنّ طهران هي التي تتحمّل عبر عملياتها العسكرية التي لم يشهدها حوض الفرات بشقّيه الشرقي والغربي منذ اشهر عدة مسؤولية عرقلتها او السعي إلى تأجيلها على الاقل أم انّ العكس صحيح؟

 

ورداً على هذا السؤال المنطقي والمشروع، كشفت المراجع الديبلوماسية عينها، نقلاً عن مصادر اميركية عليمة، انّ الحديث ما زال مُبكراً عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض ودمشق. وعليه، فهل أخطأت إيران في خطوتها العسكرية لتبرّر لواشنطن صوابية موقفها الرافض لأيّ تطبيع يمكن ان يتم اليوم بين الرياض أو اي دولة أخرى مع دمشق. وفي معلومات هذه المراجع ـ نقلاً عن المصادر الاميركية عينها – انّ الرياض ليست هي مَن «بَشّرت» بخطوة التبادل حتى اليوم. وانّ هذه الادارة الاميركية ما زالت تنتظر توضيحاً سعودياً حول جدية مثل هذه الخطوة، في اعتبار انّ كل ما صدرَ حتى اليوم من تسريبات في شأنها ما زال منسوباً الى شخصيات ومصادر قريبة من العاصمة السورية ولم يقاربها بعد اي مسؤول سعودي على الاطلاق. وهو امر يجب التوقف عنده وصولاً الى استبعاد أي خطوة تؤدي الى مشاركة سوريا في القمة العربية السنوية الدورية التي تقرر عقدها في الرياض في 19 أيار المقبل كما كشفت اوساط الجامعة العربية.

 

وأمام خريطة المواقف المتشعبة هذه، لا بد من الاشارة الى انّ الهدوء الذي استعادته منطقة حوض الفرات في الأيام الثلاثة التي تلت المواجهة الاخيرة ستسمح بمزيد من القراءات المعمّقة لما جرى وأهدافه وما نَوًاه الطرفان في آنٍ منها، وما يمكن ان تقود إليه من توتر. ولكن على اللبنانيين قياس اي قراءة لمعرفة موقع لبنان في ما سيُفضي إليه «تفاهم بكين». وإن لم تكن الازمة السورية مطروحة بإلحاح من الطرفين ومن ضمن اهتماماتها، فمتى يأتي دور لبنان؟