Site icon IMLebanon

اتفاق بكين: التقاط أنفاس لطهران أم سقوط لمشروعها؟

 

 

تطرح اسئلة كثيرة على هامش البدء بتنفيذ الاتفاق السعودي الايراني، وما اذا كان الالتزام بتطبيق بنوده، المعلنة منها في البيان الصادر عن الاتفاق، سيبقى محصورا بالمشاكل والخلافات القائمة بين البلدين، ام يشمل باقي مناطق الصراع مع الدول العربية الاخرى، وهل يمضي التنفيذ قدما حتى النهاية، ام ان هناك عقبات وعوائق واستثناءات، وتوزيع مناطق نفوذ تعترض التنفيذ ؟

ما يزال من المبكر اعطاء اجوبة نهائية على هذه الأسئلة التي تدور في الاذهان، والى ماسيؤول اليه الاتفاق السعودي الايراني الذي وقع برعاية الصين من نتائج، قبل مرور بعض الوقت، وان كانت مدة الشهرين المحددة للمباشرة بتطبيقه تقترب من نهايتها بعد أقل من اسبوعين.

ولكن، يلاحظ بعد اسابيع معدودة من بداية تنفيذ الاتفاق المذكور، أن ثمة مؤشرات ووقائع متعارضة، بعضها ايجابي، يؤشر الى امكانية التقدم باتجاه تنفيذ اتفاق بكين، والبعض الآخر، سلبي ويبقي اجواء الحذر والتشاؤم والخشية من مماطلة ايرانية ممنهجة، لتمرير الوقت سدى والتهرب من تنفيذ التزاماتهما بموجب الاتفاق مع السعودية، واختيار مايناسبها واستثناء مايتعارض مع تمدد نفوذها وتنفيذ مشروع تصدير الثورة الاسلامية، الذي انطلق بقيادة مرشد الثورة آية الله الخميني منذ قيام الجمهورية الاسلامية قبل أربعين عاما، لتدمير وتفتيت العالم العربي والإسلامي.

ما يجمع عليه المراقبون، بأن بداية تنفيذ اتفاق بكين، المباشرة باعادة العلاقات الديبلوماسية المقطوعة بين المملكة العربية السعودية وايران منذ الاعتداء على السفارة السعودية في طهران العام ٢٠١٦، وهو ما يجري العمل عليه، لاعادة افتتاح سفارتي البلدين رسميا قريبا، خطوة لا بد منها وفي الاتجاه المطلوب، وتتزامن مع توجيه المملكة دعوة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة، للدلالة على حسن النية، والالتزام بتنفيذ بمضمون الاتفاق، فيما تعتبر زيارات اكثر من مسؤول ايراني لدولة الإمارات العربية المتحدة، والمباشرة باعادة العلاقات بين البحرين وايران، كلها من المؤشرات المؤاتية التي لا بد للانتقال منها إلى المشاكل والقضايا المهمة، التي تشكل جوهر الخلاف بين البلدين في الصراع الدائر بالمنطقة، وفي مقدمتها انهاء الحرب في اليمن ووقف التدخلات الايرانية في العراق وسوريا ولبنان ووضع حد، لكل مايستهدف امن واستقرار وسلامة الدول العربية الشقيقة.

وبالتزامن، انطلقت خطى انهاء حرب اليمن على الفور، بتمديد وقف اطلاق النار، وتبادل الاسرى لدى طرفي النزاع، فيما بقية الخطوات المتعلقة بالتوصل الى حل سياسي كامل، تتطلب مزيدا من الوقت، قد يطول او يقصر، ولكنه لن يحصل في القريب العاجل، بينما يمكن تصنيف انطلاقة انهاء حرب اليمن، بالمؤشرات المشجعة لتطبيق الاتفاق السعودي الايراني.

وفي المقابل، لا بد من رصد دقيق لتواجد وتدخلات النظام الايراني في مناطق النفوذ والقواعد العسكرية والمليشاوية المستحدثة، في سوريا ولبنان والعراق، وهي لم تشهد اي تبدلات او اعادة نظر استنادا لمضمون اتفاق بكين حتى اليوم، وانما على عكس ذلك تماما، يلاحظ زيادة الاهتمام والتدخل الايراني، وتصعيد التوتر والهجمات على القوات الاميركية المتواجدة بسورية، ومن خلال الزيارة غير المعلنة التي قام بها قائد مايسمى بفيلق القدس بالحرس الثوري الايراني اسماعيل قااني إلى سوريا ولبنان مؤخرا، ورعايته المباشرة، لتسخين الاوضاع عبر عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان ضد إسرائيل، بوجود رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، تحت مسميات وحدة المسارات المقاومة لإسرائيل، والتضامن مع الفلسطينين بمواجهة الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية المتواصلة ضدهم في المسجد الأقصى وبقية المناطق الفلسطينية المحتلة.

ولكن من وجهة نظر المراقبين، لا يمكن اغفال الاسباب الأساسية والمهمة، التي دفعت النظام الايراني لتوقيع الاتفاق مع السعودية برعاية الصين، بعد حالة مكابرة وتعنت، استمرت لاربعة عقود متتالية، اولها حالة الوهن والضعف التي اصابت النظام الايراني جراء وصول مشروعه بالسيطرة والتمدد تجاه الدول العربية المجاورة الى الحائط المسدود، ثانيا تردي الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي الى الدرك الاسفل في ايران، بسبب هدر واستنزاف معظم موارد الدولة المالية، على تمويل وتغذية المليشيات والمنظمات التابعة للنظام في الاقليم، واشعال الحروب الاهلية والمذهبية وتنظيم الاغتيالات والعمليات الإرهابية لزعزعة امن واستقرار العديد من الدول العربيةالمجاورة وبالخارج، ثالثا، تصاعد التهديدات الإسرائيلية الأميركية، بضرب منشآت المفاعلات النووية الايرانية، بعد سلسلة من الاختراقات والعمليات الإسرائيلية بالداخل الايراني، وفشل محاولات اعادة احياء مفاوضات الملف النووي مع الغرب، رابعا حالة العزلة التي يعانيها النظام من الجوار العربي ومعظم دول العالم وأخيرا، الانتفاضة الشعبية بالداخل الايراني والتي لم تتوقف ضد النظام، بالرغم من كل حملات القمع الدموية المتواصلة ضد المنتفضين.

وباجماع المراقبين، فإن انهاء حرب اليمن، يشكل بداية اختبار لمدى التزام النظام الايراني بمضمون اتفاق بكين اولا، واعادة الثقة المفقودة بين البلدين، ولو بشكل تدريجي، وبعدها يمكن تتبُّع مدى الالتزام الايراني بالتنفيذ في بقية مناطق التمدد والنفوذ الاخرى، استنادا إلى ما ورد في مضمون البيان الصادر عن الاتفاق المذكور، التي لم تعرف بعد ماهية الملحقات والبنود السرية، التي تحدثت عنها بعض الصحف، وما اذا كانت تشمل تفاهمات سعودية ايرانية على امور ومسائل حساسة اخرى.

ولذلك، لا بد من مراقبة مسار تنفيذ اتفاق بكين في الاشهر المقبلة، وقد يكون اطول مما هو متوقع، وتتبُّع مدى التزام الجانب الايراني بمضمونه، ويشمل خارطة المناطق الساخنة التي يمول ويسلح المليشيات الموالية له، بالداخل السوري وجنوب لبنان، ومناطق تصنيع مخدرات الكبتاغون المحمية، في لبنان وسوريا وطرق تهريبها إلى دول الخليج العربي والعالم، وهل سيكون تنفيذه شاملا، ام يتخلله استثناءات ما، تحت عناوين وهمية معروفة، مثل استمرار دعم نظام الاسد ضد الارهابيين، لابقاء سيطرة ايران على سوريا ومقدراتها الاقتصادية، او طرد القوات الاميركية من العراق، بهدف استنزاف موارده والهيمنةعلى قراره السياسي، او استمرار مصادرة ورقة القضية الفلسطينية تحت شعارات المقاومة ضد إسرائيل و«ياقدس قادمون» وغيرها، والتي بقيت فقاعات فارغة لاستغلالها بالمقايضات والصفقات الايرانية مع الغرب كما حدث ويحدث باستمرار، او تظهر حالات اعتراض اوتمرد ما، لمتضررين اومنتفعين من تجارة الموت والدمار، داخل النظام او من الاذرع والمليشيات المذهبية المنضوية تحت عباءته.

ويبقى السؤال الاساس هو، هل يشكل الاتفاق السعودي الايراني، حبل انقاذ للنظام من جملة التحديات والمشاكل المستعصية التي تطوقه من كل جانب، ويلتزم بتنفيذ مضمونه، لصياغة وضعية جديدة منفتحة بالداخل والخارج، ومغايرة لنهج تمدد النفوذ الايراني والسيطرة على المنطقة، ام يوظفه النظام لالتقاط الانفاس مرحليا، ويعود بعدها عن وعوده والتزاماته بالاتفاق، كما كان يفعل سابقا، وان كان ذلك صعبا هذه المرة، لصعوبة تكرار اساليب الفشل سابقا، بسبب تغير الظروف، ولان الانقلاب على الاتفاق يعني فشله بالكامل، وهذا يرتب تداعيات ومخاطر غير محمودة، ويعرض مصالح ايران لاسيما مع الصين الراعي للاتفاق والحليف المتبقي لها لاضرار غير محسوبة، هو بغنى عنها.