IMLebanon

رحلة لبنان الجديدة عبر الأثير الصيني

 

 

طغى الإتّفاق السعودي – الإيراني على الأحداث في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة. وسارع منظّرو الطّرفين إلى الاجتهادات التي تخدم كلّ فريق بحسب أجندة ولائه. ولكن ما يجب ملاحظته في هذا السياق التمييز بين الدخول الصيني إلى منطقة الشرق الأوسط، وطبيعة الوجود الأميركي. ووسط هذا التغيّر يبدو أنّ المنطقة ستدخل في ستاتيكو جديد، قد يكون طويل الأمد. فهل سيستطيع لبنان الدّولة أن يستقلّ هذا القطار؟ أم أنّ الانقسام العمودي سيعيق رحلته الجديدة؟

 

وإزاء تحرّك الدول الفاعلة في المنطقة يبدو أنّ الاتّجاه العام سيكون نحو تبريد الساحات السياسيّة كلّها بدءاً باليمن وسوريا مروراً بلبنان والعراق. وذلك لأنّ الساحة الشرق أوسطيّة ستتحوّل إلى ساحة استثمارات ضخمة، بدأت بشائرها تتجلّى في معظم دول الخليج التي تتسابق اليوم في إقرار برامج رؤيويّة تمتدّ حتى العام 2050. إضافة إلى ذلك، فرض الاستكشاف النفطي في منطقة شرق المتوسّط حالة جديدة من الاستثمارات الواعدة في هذه المنطقة.

 

فضلاً عن ذلك، تأتي الرؤية التي يحاول العدو الإسرائيلي فرضها في محيطه عبر اتّفاقيّات أبراهام التي دخل عبرها إلى الساحات العربيّة. فعلى ما يبدو أنّ هذا المسار آيل إلى التطوّر أكثر فأكثر إيجابيّاً وليس العكس. فالسباق في منطقة الشرق الأوسط انتقل من التسلّح وبناء الجيوش الضخمة إلى سباق من نوع آخر يشمل النواحي الاستثماريّة والاقتصاديّة والتطويريّة. والدولة التي تسبق ستكون هي الرائدة في محيطها.

 

هذه الرّؤى كلّها تفرض إدخال المنطقة برمّتها في حال من الثبات والاستقرار. من هنا، على لبنان أن يعرف كيفيّة الدّخول في هذه الموجة التي ستحكم المنطقة في المئة سنة القادمة. ولا يظنّنَّ أحد أنّ لبنان سيكون خارج هذه المنافسة. فالمشروعان المتصارعان على الجغرافية اللبنانيّة هما اللذان سيقرّران أيّ لبنان سيكون في المرحلة المقبلة. إن استطاع روّاد المشروع الثورويّ الإيراني، أي «منظمة حزب الله» وحلفائها، أن يحكموا سيطرتهم على الحياة السياسيّة فسيكون لبنان في أضعف قدراته التنافسيّة لانعدام التكافؤ مع المشروع الآخر.

 

أمّا إذا انتصر المشروع السيادي فسيكون من المنافسين على إدخال لبنان في هذه التوجّهات الليبراليّة الاستثماريّة. وكي لا نُغالي، لن يستطيع لبنان منافسة دول الخليج لا سيّما المملكة العربيّة السعوديّة لكنّه على الأقل قد يستطيع التحوّل من دولة مارقة إلى دولة «المعبر» إلى الاستثمار. مع ضرورة الاستفادة من الدخول الصيني الاستثماري، لا سيّما وأننا في بلد بناه التحتيّة معدومة القدرات كالمرافئ والمطارات والطرقات ونظام الاتّصالات وغيرها. ولعلّ هذا ما سيشكّل دافعاً جديداً للمستثمرين الجدد، وقد يحفّز المنافسة مع دول أوروبا وأميركا التي لا تريد أن تتخلّى عن لبنان، لكنّها تبدّي مصالحها أوّلاً. تكفي في هذا السياق ملاحظة الاستثمار الأميركي الضخم في بناء سفارة وقاعدة استخباراتيّة في منطقة عوكر. لبنان لن يكون بعيداً من أن يستقلّ هذا القطار القادم. لكنّ لهذه الحالة شروطاً أدناها استعادة البنية السياديّة للدولة التي تمّ إزهاقها على مذبح ما سمّوه «مقاومة العدوّ»؛ حيث سارعوا للإعتراف به في اتّفاقيّة ترسيم صُدِّقَت في الأمم المتّحدة. وذلك كلّه بهدف استرضاء الغرب والاحتفاظ بالمكاسب في هيكل الدّولة مقابل التنازل عن الثروة للعدو الإسرائيليّ. فليعلم اللبنانيّون كلّهم هذه المرّة إن سمحوا لمشروع إيران بالتمدّد أكثر في قلب الدّولة اللبنانيّة فهم حتماً قد ارتكبوا عمليّة انتحارٍ وطنيٍّ لا حياة بعدها لأيّ شكلٍ من أشكال لبنان.

 

لذلك كلّه، هذا الخَيَار مرفوضٌ. وإذا هذا اللبنان سقط في أتون الممانعة الإيرانيّة – السوريّة أكثر فلن نسمح بأن نرضخ في حدوده هذه، بل سنسعى بكلّ ما أوتينا من قوى، سياسيّة وغير سياسيّة إن اضطرّنا الأمر، إلى تحقيق لبنان الذي يؤمّن لنا الدّخول في العالم الجديد. هذا الأثير الصيني كشف عن نقابه الأمير محمّد بن سلمان. وإن لم ننجح بتحقيق التوازن والتفاعل بين الشرق والغرب انطلاقاً من جوهر وجود لبنان فقد نحتاج إلى سنين ضوئيّة لنلحق بهذا القطار!