IMLebanon

بين الأدوار والأهداف

 

في الوقت الذي تُفتح فيه أبواب الانفراجات الإقليمية من السعودية إلى إيران وصولاً إلى اليمن والعراق وسوريا لتبلغ مصر وتركيا على حدود أوروبا، تشتدّ أزمة الكيان الاسرائيلي الداخلية من جهة، أزمة تهدّد وجوده ووحدة دولته، ويشتدّ الضغط على الفلسطينيين من جهة ثانية. وفي الوقت عينه، تشتدّ مقاومتهم لاحتلال نكّل بهم شرّ تنكيل ودفعهم أكثر وأكثر إلى مقاومته بشتّى الوسائل.

 

خميس الإنفراج الكبير

 

الإنفجار الموضعي

 

في صباح الخميس في السادس من نيسان، التقى وزيرا خارجية السعودية وإيران، الأمير فيصل بن فرحان ونظيره حسين أمير عبد اللهيان، في العاصمة الصينية بكّين. وأصدر الطرفان بياناً ختامياً أكّد على العمل المشترك لتفعيل «اتفاقية التعاون الأمني» الموقّعة في العام 2001 والتي اتّفق بموجبها الجانبان على التعاون لمواجهة الإرهاب وتهريب المخدّرات وغسل الأموال، و»الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب» الموقعة في العام 1998. كما جدّد الجانبان الاتفاق على إعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية، والمضيّ قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتيْ البلديْن في الرياض وطهران، وقنصليتيْهما العامتيْن في جدّة ومشهد.

 

أمّا في لبنان، فشهد الوضع الحدودي توتراً متصاعداً عصراً بالتزامن مع محاولات إسرائيلية لاقتحام الأقصى وإقامة شعائر دينية يهودية، واعتداء يومي على المرابطين في الأقصى والمقدسيين. فقد أُطلقت الخميس صلية صواريخ من سهول صور باتجاه فلسطين المحتلّة. وقد أصابت الصواريخ الخمسة والثلاثين متاجر ومحطة وقود وتسبّبت بحرائق من دون أن تؤدّي إلى سقوط قتلى. وعلى الفور، أعلن «حزب الله» عدم مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ وأبلغ الجهات الديبلوماسية والعسكرية الأممية التي تواصلت معه أنّه لا يرغب إطلاقاً في تصعيد الموقف. هذا التطوّر استدعى ردّاً إسرائيلياً من دون التعرّض لمواقع تابعة لـ»الحزب»، وذلك بتوجيه من الحكومة المصغّرة التي أكّدت بدورها أنّها لا تريد حرباً مع «حزب الله». وقد وضع هذا الموقف لبنان على شفا حرب قابلة للاشتعال في لحظة حصول خطأ في الحسابات أو بسبب تهوّر إسرائيلي معهود. وليس هذا التصعيد الحدودي بجديد، إذ يترافق مع اعتداءات إسرائيلية متكرّرة على أذرع إيران في سوريا، تسبّب آخرها بمقتل مستشاريْن في الحرس الثوري الإيراني في 31 آذار الفائت.

 

وبعد سلسلة التطوّرات البارزة هذه، ألغى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، زيارة إلى الجنوب اللبناني في إطار زيارة إلى بيروت. وكان تردّد أنّ هنية أفطر الأربعاء، ليلة وصوله، في السفارة الإيرانية مع قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآني، وممثلين عن حركة «الجهاد الإسلامي» و»حزب الله».

 

ومساء الجمعة، أسفرت عملية دهس وإطلاق نار في تل أبيب عن سقوط قتيل وإصابة 6 إسرائيليين بجروح. ويوم السبت، أُطلقت صواريخ من سوريا باتجاه الجولان المحتلة، فسقط أحدها في الأردن، أمّا الثاني فداخل سوريا، فيما بلغ الثالث منطقة خلاء في هضبة الجولان. وقد أعلنت قناة «الميادين» مسؤولية «سرايا القدس»، في حين جاء الردّ الإسرائيلي عبر قصف مواقع إطلاق الصواريخ.

 

وحدة ساحات تجلّت بقصف الصواريخ والدهس وإطلاق النار. فبعدما كان الحديث عنها نظرياً، ها هو يتحوّل عملاً عسكرياً متناسقاً بين الجبهات الثلاث: فلسطين وسوريا ولبنان، بإشراف من «فيلق القدس» و»حزب الله».

 

إتفاق اليمن على قاب قوسين أو أدنى؟

 

في السابع من نيسان، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدريْن مشاركيْن في المحادثات السعودية-العُمانية أنّ وفداً سعودياً-عُمانياً يعتزم السفر إلى صنعاء، للتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم، وإنهاء الحرب المستمرّة منذ ثماني سنوات. وبالفعل، وصل الوفدان يوم السبت برفقة رئيس الوفد التفاوضي المقيم في عمان والتابع لجماعة الحوثي، محمد عبد السلام، لبحث تمديد الهدنة في اليمن والتصوّر السعودي الذي يتضمّن الموافقة على هدنة لستة أشهر في مرحلة أولى، ومن ثم التفاوض لثلاثة أشهر حول إدارة مرحلة انتقالية تدوم سنتين إلى حين بلوغ الحل النهائي. وفي الواقع، لم يكن للاتفاق أن يُبصر النور لولا التفاهم السعودي-الإيراني الذي رعته بكّين ولم تمنعه واشنطن.

 

عودة دمشق والتلاقي السوري-المصري-السعودي

 

فتح باب مفاوضات عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية كحدّ اقصى أو إعادة تفعيل علاقات دمشق الثنائية مع عدد كبير من الدول العربية وأوّلها مصر، الباب أمام إمكانية التوصّل إلى تفاهمات سياسية واسعة. ولم تقطع القاهرة علاقتها بدمشق إلا إبّان حكم الإخوان المسلمين، أي خلال العاميْن 2012 و2013، أمّا الإمارات فبعثت برسالة إيجابية عبر لقاء الشيخ عبدالله بن زايد بالرئيس السوري بشّار الأسد، في العام 2019، في حين زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، سلطنة عُمان في آذار العام 2021. أضف إلى هذه اللقاءات رغبة الرياض في نقل علاقتها مع دمشق من المستوى الأمني الذي انطلق في العام 2018 إلى المستوى السياسي، مع تسريب احتمال زيارة الأمير فيصل بن فرحان لدمشق واحتمال دعوة الأسد لحضور قمة الرياض المقرّرة في التاسع عشر من أيار.

 

وكانت مصادر متقاطعة كشفت أنّ اجتماعاً أمنياً رفيع المستوى عُقد في القاهرة بين وفود سعودية وسورية ومصرية، بعدما كانت صحيفة «الجريدة» الكويتية تحدّثت عن زيارة سرّية قام به قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد. وأوضحت الصحيفة أنّ الزيارة اتّخذت طابعاً أمنياً ورسمت خريطة طريق لعودة العلاقات السعودية-السورية.

 

لبنان على خريطة انفراجات الإقليم؟

 

يتحدّث مصدر ديبلوماسي عربي رفيع عن انعكاسات إيجابية سيشهدها لبنان نتيجة التقارب السعودي- الإيراني، مؤكّداً وجود إرادة عربية-إيرانية بتصفير المشاكل في المنطقة وإيجاد تسويات مقدّر لها أن تبلغ لبنان بلا شك. ويوضح المصدر أنّ الطرفيْن أبديا رغبتهما وإرادتهما لمساعدة لبنان للخروج من أزمته، مشيراً إلى أنّ أحداً لا يستطيع أن يحلّ مكان اللبنانيين في استنباط حلّ ووضع تصوّر لمخرج قريب. وفي هذا السياق، يذكّر المصدر باليمنيين الذين اقتنصوا لحظة الانفراج الإقليمي لتثبيت وقف النار ووضع أسس السلام، وبالسوريين الذين جابوا الساحات وفتحوا قنوات التواصل وبدأوا بتطبيق ما تعهّدوا به على مستوى منع صناعة المخدّرات وتجارتها. ويتابع: «اختلف اللبنانيون على كلّ شيء إلا على انتظار الخارج لإيجاد حلول، فسمّى الثنائي مرشّحه وانتظر، ووضع المسيحيون بقواهم الأساسية الفيتو وانتظروا، وانتظر المستقلّون إشارات تأتي من هنا وهناك. وبات الآن جليّاً للمشرق والمغرب أنّ السعودية وإيران تريدان التوافق على كلّ نقاط التماس القائمة، وهو توافق لا يمكن أن يُطبّق إلا بتوافق الإرادة الداخلية مع إرادة الإقليم. وفي الوقت عينه تمارس الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ضغطاً يشتدّ عبر عقوبات تُفرض بهدف التوصّل إلى حلول. وعليه، يبقى أن نرى ما قد يصل إليه الفرقاء اللبنانيون من مخارج». ويختم المصدر الديبلوماسي العربي الرفيع: «لا يجب أن يتجاوز بلوغ الحلول نهاية حزيران على أبعد تقدير، وإلاّ فعلى لبنان السلام».