Site icon IMLebanon

حياكة التسوية بدأت: من بكين إلى دمشق

 

 

بالتأكيد، كل شيء يسير على ما يرام بين المملكة العربية السعودية وإيران. وبالتأكيد أيضاً، ملف لبنان هو جزء من التوافق الحاصل. وما هي إلّا مسألة وقت لتتبلور النتائج. وبناءً على هذه المعطيات، يمكن تصوّر المرحلة الآتية.

 

كل الخطوات التي تقرّر تنفيذها في مهلة شهرين بين السعودية وإيران تتوالى في طريق سالكة وآمنة، وآخرها فتح السفارة الإيرانية في الرياض. وكان لافتاً قول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، قبل أسبوع، إنّ التقارب بين البلدين ليس مجرد اتفاق تكتيكي.

 

وبالفعل، تؤكّد المعلومات أنّ السعودية وإيران انتقلتا من الخصومة السياسية والتنافس الإقليمي إلى التعاون والشراكة الإقليمية التي ستكون بعيدة المدى على الأرجح.

 

والمهم أيضاً هو إعلان طهران، بلسان المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي عن اتجاه إلى ترميم العلاقات التي لطالما كانت متوترة جداً مع مصر. وبتكليف من الرئيس إبراهيم رئيسي، سيتولّى وزير الخارجية متابعة هذا الملف. ومن الجهة المصرية، ثمة جهود أجراها السعوديون لتقريب وجهات النظر، وبدت النتائج إيجابية.

 

وهنا، ثمة من يطرح السؤال عمّا إذا كان التوتر العسكري المفاجئ على الحدود المصرية- الإسرائيلية هو محض صدفة واحتكاك عابر أم هو يبيت رسالة إسرائيلية إلى مصر المقبلة على تطبيع مع إيران سيزيد من استفراد إسرائيل إقليمياً، وسيبعد القاهرة عن واشنطن لتقترب من حلف شرق أوسطي- شرقي يتنامى.

 

وفي الأساس، انطلقت فكرة التقارب السعودي- الإيراني في مناخات التشجيع الأميركي على التطبيع والشراكة بين العرب وإسرائيل. ففي الصيف الفائت، كشفت واشنطن عن سعيها إلى بناء منظومة دفاع جوي عربية- إسرائيلية تشارك فيها الدول العربية التي انخرطت في التطبيع. وهذا الاتجاه استفز الإيرانيين بشكل حاد، وأدرجته طهران في سياق «الإيرانوفوبيا» التي اخترعها الأميركيون والإسرائيليون، كما تقول، وبهدف التحريض عليها.

 

وقد عمدت دولة الإمارات العربية إلى اختيار منظومة «رافائيل» الإسرائيلية المضادة للصواريخ والمسيّرات، بعدما عانت الأمرّين من الضربات الحوثية التي أصابت فيها أهدافاً حيوية. ومن سمات هذه المنظومة أنّها تشكّل جزءاً من «القبة الحديدية» الإسرائيلية، ويقول الإسرائيليون إنّها أكثر كفاية من «باتريوت» الأميركية في التصدّي على المستوى المنخفض الذي يوجّه الحوثيون صواريخهم ومسيّراتهم من خلاله.

 

حينذاك، بدا الإسرائيليون في وضعية التقدّم عربياً، ولاسيما خليجياً. ولكن، كانت الصين تترصد اللحظة النادرة لخرق المعقل الأميركي في العالم العربي. فاستفادت من القلق الإيراني من مغامرة أميركية- إسرائيلية، والقلق السعودي- الإماراتي من انتقام إيراني عنيف في الخليج، واستغلت انشغال واشنطن بحرب أوكرانيا، لتحقق إنجازاً صدم الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو اتفاق بكين السعودي- الإيراني.

 

لقد استغلّ الصينيون سوء العلاقة بين الرياض وواشنطن، خصوصاً عندما تعرّضت المملكة للضربات الحوثية ولم تجد إلى جانبها الحليف الذي تحتاج إلى دعمه الحاسم. وعلى الأرجح، اتفاق بكين، أو «اتفاق القلقين» ليس سوى جزء من منظومة إقليمية سيظهر مدى اتساعها يوماً بعد يوم، وستؤدي إلى دخول الصين عمق الشرق الأوسط كشريك في صناعة الحدث، سياسياً واقتصادياً.

 

يعني ذلك، أنّ رهان البعض على فشل اتفاق بكين ليس في محله. وعلى العكس، سيعمل الطرفان على اجتذاب قوى عربية أخرى إليه، على حساب الموقع التقليدي الذي تحتله الولايات المتحدة. وتبدو العلاقات السعودية- الإيرانية مقبلة على المزيد من النمو والتعمق، وستتبلور مفاعيل الاتفاق الثنائي أكثر فأكثر، من الخليج إلى سوريا ولبنان.

 

سيكون الإيرانيون أكثر استعداداً لمراعاة المطالب السعودية في ما يتعلق بأمن المملكة. وهذه أولوية لدى الرياض بالتأكيد. ولكن، في ما يتعلق بالملفات الإقليمية المتشابكة، كاليمن والعراق وسوريا ولبنان، ستكون هناك هوامش من المرونة لدى الطرفين.

 

وهذا ما يفسّر الهدوء السعودي في التعاطي مع الملف اللبناني حالياً. فبعدما كانت الرياض ترفض قطعاً مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخاصة بانتخاب رئيس للجمهورية (سليمان فرنجية) واختيار رئيس للحكومة (نواف سلام)، هي اليوم تفتح باب الحوار في كل الاتجاهات، وتعلن أنّ الخيار محض لبناني، وأن لا فيتو سعودياً على أي مرشح.

 

وسيتبلور الخيار السعودي على الأرجح، نتيجة لتطور الاتصالات مع طهران من جهة، وداخل لقاء الخمسة الذي يضمّ إلى المملكة، فرنسا والولايات المتحدة وقطر ومصر. وطبعاً، سيكون هناك تأثير للتحولات الأخيرة التي شهدتها القمة العربية في الرياض، وأبرزها عودة دمشق والتطبيع مع الرئيس بشار الأسد.

 

في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ستدافع إيران عن خيار حلفائها في لبنان، وهي ماضية في التنسيق معهم لتحقيق أفضل المكاسب. وأما المملكة، فحلفاؤها ليسوا مطمئنين إلى المسار الذي ستسلكه الأمور.

 

الأرجح أنّ معركة الرئاسة ستُحسم في الخارج أولاً، في الرياض وطهران وواشنطن، وفي دمشق التي زارها أمس الرئيس ميشال عون في شكل مفاجئ. وحتى ذلك الحين، لا مجال للقيام بالكثير من الأمور في الداخل.