Site icon IMLebanon

صدمة بكين .. وهواجس واشنطن!

 

موجات الإرتياح التي سادت شعوب بلدان الإضطرابات في المنطقة، لا تقل عن مؤشرات الإطمئنان التي سادت الأوساط السعودية والإيرانية، إثر إعلان البيان الصيني ـ السعودي ـ الإيراني من بكين، بعودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة الحياة إلى إتفاقيات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وخاصة الأمنية والإقتصادية.

الصدمة الإيجابية لتقارب القطبين الأبرز في المنطقة تتجاوز العلاقات الثنائية، إلى الدائرة الملتهبة في الإقليم، وإمتداداتها التي تهدد الأمن والسلم في واحدة من أشد مناطق العالم حساسية وتعقيداً، والتي كادت تدفع العالم إلى مواجهات عسكرية مدمرة أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة.

جاء إعلان بكين ليعلن بدء قلب صفحة النزاعات المضنية في الإقليم، والإستعداد للدخول في مرحلة واعدة من الأمن والإستقرار، على خلفية إطفاء نيران الحروب القطرية المشتعلة في أكثر من بلد، وإطلاق مسيرة التعاون الإقليمي، لما فيه تحقيق طموحات شعوب المنطقة بالنمو والرخاء.

أهمية بنود التفاهم السعودي الإيراني الجديد تكمن بأن تأخذ طريقها إلى التنفيذ العملي،وأن لا تبقى مجرد أمنيات حبراً على ورق، كما حصل مع الإتفاقية الأمنية عام ٢٠٠١، وإتفاقيات التعاون في مجالات الإقتصاد والتجارة والإستثمار والثقافة والرياضة الموقعة عام ١٩٩٨، حيث لم تلتزم طهران بتعهداتها، وذهبت بعيداً في سياسات التدخل بشؤون دول المنطقة، وإثارة الإضطرابات الداخلية، والتي إنزلقت بعضها إلى جحيم الحروب الأهلية.

صحيح أن لبنان وسوريا والعراق واليمن تحتاج إلى تفاهمات وطنية بين الأطراف السياسية والحزبية النافذة في هذه البلدان، ولكن الأصح إيضاً أن التعاون السعودي الإيراني يساعد على تذليل العقبات أمام مثل هذه التفاهمات القطرية، التي بحصولها لا تتحقق المصالحات الداخلية الوطنية فحسب، بل يكون التقارب بين الرياض وطهران قد سلك سبيل المصالحة الحقيقية والمستدامة، والتي من شأنها أن تُظلل دول المنطقة بمرحلة من السلم والإستقرار، هي أكثر ما تكون شعوبها بحاجة إليها.

وبقدر ما رحّبت دول أوروبية وآسيوية بهذا الإنجاز الديبلوماسي الكبير لبكين، بقدر ما كانت هواجس الإدارة الأميركية كبيرة، جسدتها التعليقات السياسية والإعلامية المتحفظة تارة، والمنتقدة بين سطورها وفي مرامي كلماتها، تارات أخرى.

ليس مستغرباً التوجس الأميركي، والذي قد ينقلب إلى شيء من العداء لاحقاً، من نجاح بكين في تحقيق هذا التقارب بين القطبين السعودي والإيراني، والذي من شأنه في حال سار حتى النهاية، أن يقلب الموازين الإستراتيجية في الشرق الأوسط، بل ويُغيّر من قواعد النظام العالمي الحالي.

لا نُغالي إذا قلنا أن التعاون الثلاثي بين الصين والسعودية وإيران سيؤدي إلى إسقاط المخططات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وذلك وفق الإعتبارات التالية:

١ـ إطفاء نيران أي فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة في طول المنطقة وعرضها، والتي كانت إحدى ركائز «الفوضى الخلاّقة»، التي عملت لها واشنطن بعد أحداث أيلول ٢٠٠١ في نيويورك وواشنطن.

٢ـ إزالة المخاوف الخليجية من «البعبع» الإيراني، الذي زرعته واشنطن في صلب سياستها في المنطقة، لفرض المعاهدات الأمنية وصفقات الأسلحة بالمليارات على الدول الخليجية.

٣ـ لجم إندفاعة التطبيع مع الكيان الصهيوني بمجرد عودة علاقات حسن الجوار مع إيران، وتوقف الأخيرة عن التدخل في الشؤون الخليجية الداخلية، وتمويل حركات التمرد والشغب، والتعهد بعدم تعريض أمن دول مجلس التعاون الخليجي للخطر.

٤ـ تعزيز المصالح المشتركة بين السعودية والدول الخليجية مع إيران من شأنه أن يشكل سياجاً للحفاظ على علاقات التعاون، واللجوء إلى الحوارات والتفاهمات البناءة لمعالجة الإشكالات والخلافات الطارئة، بما يُراعي مصالح وأوضاع الأطراف المعنية.

أما على المستوى العالمي، فقد حققت الصين إختراقاً إستراتيجياً كبيراً في مسار السياسة الدولية، القائمة على محور القطب الواحد، وأطلّت من أبواب المنافسة السياسية العريضة للولايات المتحدة، بعدما إستطاعت أن تُجاريها في السباق التجاري والإقتصادي في القارات الخمس، وأن تتفوق عليها في العديد من مناطق العالم.

السعودية وإيران تشكلان مصدر النفط الأساسي للآلة الصناعية الضخمة في الصين. وبالتالي فإن ثمة كم من روابط التعاون والمصالح تجمع بين هذا المثلث الآسيوي الوليد، بما يعزز سياسة التوازن الإستراتيجي التي يعتمدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في علاقات بلاده الدولية من جهة، ويدعم التمدد الصيني إلى المناطق المهمة في تكبير دورها على المسرح الدولي من جهة ثانية، فضلاً عن إتاحة المجال لإيران الإعتدال والسياسة الواقعية للخروج من واقع العزلة والعقوبات الراهنة، من جهة ثالثة.

الواقع أن الأمير السعودي الشاب تحمّل، بكثير من الشجاعة، المسؤولية الأكبر في تحقيق هذا الإتفاق التاريخي، مع كل ما يترتب عليه من مخاطر. ولكن مصير الإتفاق يتوقف على الإلتزام الإيراني بتنفيذ بنوده أولاً، وبما سيصدر من واشنطن من ردود فعل على ما تعتبره أوساط الإدارة الأميركية تهديداً لمصالحها ثانياً وثالثاً.

أما أين لبنان من هذا الإتفاق.. فله حديث آخر!