لماذا نفت «الاتصالات» علمها بوجود شبكة موازية؟
الفضيحة مستمرّة: الإنترنت غير الشرعي متوفّر بكميات كبيرة!
أهل الخبرة في قطاع الإنترنت لديهم الكثير ليقولوه. مع كل يوم يمر تخرج فضيحة جديدة أو يضاء على فضيحة قديمة، تؤكد أنه، كما في كل الملفات والمغارات.. لعلي بابا باع طويل في قطاع الاتصالات، ومعه بدل الأربعين مئات الحرامية.
منذ كُشف عن فضيحة الإنترنت غير الشرعي في جلسة لجنة الاتصالات النيابية التي عُقدت في 8 آذار الماضي، صارت القضية على كل لسان. لكن عند أهل القطاع.. كل ما كشف حتى اليوم لا يبدو مفاجئاً، والأهم أنه ليس سوى جزء يسير من الحقيقة.
مصدر عامل في القطاع، ومقرّب من شركات الـ ISP، يؤكد أن مسألة وجود الشبكة غير الشرعية ليست جديدة، إنما تعود جذورها الملموسة إلى العام 2009، تاريخ اكتشاف شبكة الباروك. وهذا لا يعني أن ذلك التاريخ كان مرحلة عابرة في تاريخ الإنترنت غير الشرعي.. نام على إثرها وعاد ليصحو في العام 2016. الفضيحة الحقيقية هي أنه عندما تم اكتشاف الشبكة وتفكيكها لم يتوقف الإنترنت غير الشرعي سوى لفترة 15 يوماً فقط، قبل ان يعود كل شيء إلى طبيعته، ويشهد القطاع الموازي نمواً كبيراً على مر السنوات التي تلت، وصولاً إلى العام الحالي، حيث تبين أن الشبكة غير الشرعية صارت أكثر تطوراً من الشبكة الشرعية.
كيف حصل ذلك؟ إما أن أصحاب الشبكة كانوا يملكون شبكة بديلة شغلّوها سريعاً، أو أنهم كانوا يملكون معدات احتياطية لم يتأخروا في تركيبها، أو أنهم استعادوا معداتهم خلال أيام، علماً أنه على خلاف ما يتردد عن إعادة تسليمها لأصحابها من قبل القضاء، فإن أهل القطاع يتناقلون بينهم، منذ ذلك الحين، أن المُعَدّات سرقت من مستودعات وزارة الاتصالات!
في مطلق الأحوال، فإن المعنيين يمكلون عشرات الأدلة على أن الإنترنت غير الشرعي عاد وغزا الأسواق اللبنانية، خلال أيام، من دون أن يتحرك أي من المعنيين. وكان حينها واضحاً أن الموزعين غير الشرعيين سرعان ما استعادوا نشاطهم، أضف إلى عودة المشكلات التقنية التي تواجه قطاع الاتصالات، ولاسيما منها انقطاع الاتصالات الخلوية وخدمات الإنترنت، وهو ما يسببه تداخل الموجات غير الشرعية مع الموجات الشرعية.
وخلافاً لما يُشاع عن أن وزارة الاتصالات قد عرفت بوجود الشبكات غير الشرعية، إثر تسلمها الشكوى من قبل تجمع شركات الإنترنت في شباط الماضي، فإن قلم الوزارة يثبت تسلّمه نحو خمس شكاوى على الأقل خلال السنوات الماضية، علماً أن آخرها كان في كانون الثاني 2015، وقد سبقتها شكوى في أيلول 2014، أضف إلى عدد آخر من الشكاوى التي قدّمت بُعيد اكتشاف شبكة الباروك، ولاسيما في تموز 2010، وكلها تؤكد على وجود شبكات تشتري الإنترنت من الدول المجاورة بشكل غير شرعي، كما تؤكد أن خسائر كبيرة تتعرّض لها الشركات المرخصة والدولة من جراء انتشار الانترنت غير الشرعي بين الشركات والمواطنين. أحد العاملين في القطاع يجزم أن «الشكاوى كانت خبزنا اليومي».. لكن عبثاً كانت الوزارة تتحرّك.
كل ذلك يهون عندما تؤكد المصادر أن ما حصل عند تفكيك شبكة الباروك لم يحصل عند تفكيك الشبكات الأربع مؤخراً، أي بمعنى آخر لم يشهد البلد حالة انقطاع انترنت كبيرة كالتي شهدها في العام 2009، وهو ما يفسّر عدم ملاحظة أي ارتفاع في عدد اللاجئين إلى المصادر الشرعية للإنترنت، بالرغم من أن حجم نفاد الإنترنت غير الشرعي هذا العام يفوق بأضعاف حجمه في العام 2009.
ماذا يعني ذلك؟ باختصار شديد يقول المصدر: الإنترنت غير الشرعي ما يزال يغزو البلد.. ومحطّات كبيرة لا تزال تعمل على تلبية النقص الذي أحدثه إيقاف المحطات الأربع المكتشفة. وإذا كان بعض المؤسسات الرسمية قد «خجل» من الاستمرار في الاشتراك بالشبكة غير الشرعية وانتقل إلى «أوجيرو»، فإن الواقع يؤكد أن الأغلبية الساحقة من مستخدمي تلك الشبكة مستمرة في تلقي الخدمة كالمعتاد!
لا تنتهي الأدلة عند ما سبق، ففحوص «الطيف الترددي» التي أجريت مؤخراً، تؤكد أن الهواء مكتظ بموجات غير شرعية تعمل في مختلف المناطق. وللتذكير، فإن وزارة الاتصالات كانت تشكّ بوجود شبكات غير شرعية لم تكتشف، لكنها لم تقدّر حجمها ولم تكتشف مكانها. ولمزيد من التأكيد على وجود انترنت غير شرعي، فقد علمت «السفير» أن سوق الإنترنت ما يزال يشهد عمليات بيع خطوط E1 بقيمة 60 دولاراً، بالرغم من أن سعرها الرسمي هو 230 دولاراً! ما يؤكد مرة جديدة أن سوق الانترنت غير الشرعي ما يزال مزدهراً.. بالرغم من الحملة مستمرّة منذ أكثر من شهر.
اللافت بالنسبة إلى كثر من العاملين في قطاع الانترنت أن التركيز ينصبّ على مستوى واحد من المخالفات، فيما لا أحد يتحدث عن المستوى الثاني، الذي لا يقل أهمية عن الأول، في كونه مصدر خسارة كبيرة للدولة.
وفي التفاصيل، فإن الشبكات التي تحصل على السعات الدولية من الدول المجاورة ليست وحدها مَن يخالف القانون. وإذا كانت قد خالفت حصرية الدولة في بيع السعات الدولية، كما أنها لم تستحوذ على التراخيص المطلوبة لاستعمال الموجات، ولم تنل ترخيصاً باستيراد المعدات واستعمالها، فإنها لها شركاء قاموا بمخالفات شبيهة ولم يحاسبوا أو توقَّف مخالفتهم. فعملية توزيع الإنترنت على المشتركين النهائيين هي أيضاً تحتاج إلى ترخيص من قبل الدولة. وبحسب أكثر من مصدر، فإن الشركات التي تمّ ترخيصها مؤخراً، والتي تبين أنها في معظمها كانت تستفيد من الانترنت غير الشرعي، تمّت شرعنة عملية شرائها للسعات الدولية، لكن أحداً لم يشرّع عمليات التوزيع التي تجريها بشكل غير قانوني، والمستمرة حتى اليوم. وللتوضيح، فإن عملية التوزيع للمشترك النهائي، والتي تتم من خلال ما يُسمّى «الوصلة المحلية»، تحتاج إلى ترخيص أيضاً.
وعلى سبيل المثال، فإن الشركات الشرعية ملزمة، ليس بشراء السعات الدولية من «أوجيرو» فحسب، بل بالتصريح عن كل خط إنترنت تبيعه للمستهلك لـ «أوجيرو» التي تعطي بدورها الإذن بالبيع، وتحصل في المقابل على نسبة مئوية من الفاتورة الشهرية التي تدفع.
وهذه العملية، بالمقارنة مع عدد المشتركين بالشركات المرخصة حديثاً، بغض النظر عن مصدر السعات الدولية إن كان شرعيا أم لا، تحرم الدولة من مردود شهري يفوق بكثير الربح الذي يفوتها من جراء شراء السعات الدولية من الخارج.