على طريقة الأنظمة الديكتاتورية الشمولية القمعية الدموية، احتفل الخمينيون في طهران بذكرى ثورتهم التي اقتلعت نظام الشاه البهلوي الإمبراطوري، وذلك بتحشيد عشرات الألوف من قواتهم المسلحة وتجميع أرتال الدبابات والمجنزرات والصواريخ الباليستية واستعراض مقاتلاتهم الجوية، فبدا المشهد وكأننا في ميدان الاحتفالات في بيونغ يانغ الكورية الشمالية، وهذا ديدن الحكومات القمعية الدموية التي تخاف شعوبها، حيث التناسب العكسي، فكلما أَمِنَت الأنظمة من شعوبها بسبب العدل والحرية واهتمامها بنهضة أوطانها وتنميتها ابتعدت عن الاستعراضات العسكرية الضخمة على الطريقة الإيرانية الكورية الشمالية، والعكس صحيح، فمثل هذه الاستعراضات العسكرية الضخمة مثلاً، لا تجدها في سيول عاصمة كوريا الجنوبية، لأنها عَدَلَتْ فأَمِنَتْ فنامت فاستغنت عن إخافة شعبها وتهديد جيرانها، حيث وَجَّهتْ كفاءاتها وطاقاتها وقدراتها وخططها نحو التنمية فازدهر اقتصادها ليكون منافساً لكبريات القوى الاقتصادية العالمية، في وقت تنتشر فيه المجاعة والفقر والبؤس عند جارتها الشمالية، وعلى بعد بضعة أمتار من استعراضاتها العسكرية الضخمة والحشود المليونية التي تُساق إلى ميادين الاحتفالات الديكتاتورية بالقوة والقمع كما ساق رئيسها المراهق مئات الألوف من شعبه ليبكوا على موت أبيه، فإن لم يبكوا فليتباكوا، والخمينيون وهم يحتفلون في طهران بالأربعينية الدموية البائسة، يتَّبعون سنَنَ الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد حَذْوَ القذَّة بالقذَّة، جَيَّشوا في الميدان جيوشهم وحشدوا دباباتهم ومجنزراتهم وطائراتهم وعشرات الألوف من جنودهم وغوغائهم، وتناسوا شعبهم المطحون والنسب المتقافزة للبطالة والاقتصاد المتهالك، وبدلاً من أن يستعرض رئيس الجمهورية الثورية إنجازات التنمية والطفرات الاقتصادية المفترض أن تتحقق في بلاده عطفاً على مواردها النفطية الهائلة، راح هذا الاستعماري الدموي يُذَكِّر شعبه والعالم أن حدود إيران ليست حدودها الحالية، بل كل الدول الواقعة شمال إيران ومنها دول القوقاز وكذلك المناطق الشرقية ومناطق شمال غربي إيران، اُقتطعت من إيران، فهي في آيديولوجية الثوريين الخمينيين تابعة لإيران، بل أكد شيخ الاستعماريين التمدديين أن مناطق جنوب إيران التي تَشَكَّلت فيها دول الخليج أيضاً مناطق محتلة مغتصبة من صاحب الحق إيران، والحق ما نطقت به العمائم الثورية، وهو ما يؤكد ما حذر منه النابهون الذين كانوا يستشرفون المستقبل بنظراتهم الثاقبة فحذروا من ثورة الخميني وطائفيته حين اندلعت ثورته عام 1979 وألا يغتر الناس باللحى والعمائم والشعارات الإسلامية ودعاوى الوحدة والتقارب، حينها كان الذي يحذر منهم متهم بالتطرف والتعصب والطائفية وشق الصف وتفريق الأمة، فتَمَثَّل في هؤلاء الناصحين المحذرين قول الشاعر:
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِى بمُنعَرَجِ اللِّوَى
فلم يَسْتبِينُوا الرُّشدَ إِلا ضُحَى الغَد
فلمّا عَصَوْنِى كنْتُ مِنْهُمْ وقد أَرَى
غَوَايتَهُمْ، وأَنَّنِى غَيْرُ مُهْتَدِي