مرّت سنة على الإنتخابات البلدية والإختيارية، شكّلت مرحلة إختبار لإنطلاقة العمل البلدي والتنموي في المدن والقرى والبلدات اللبنانية، وذلك بهدف تحقيق التنمية المحلية والإجتماعية التي أُنشئت من أجلها السلطة المحلية، لتلبية طموحات المواطنين في إنعاش بلداتهم وتحقيق الإزدهار على الصعد كافة، وليس كما يعتمدها البعض سبيلاً للوجاهة.
كما في كل المناطق، تحتاج عملية التنمية إلى تفعيل دور البلدية ووضع خطة متكاملة ومتناسقة تعطي حاجات البلدة وأساسياتها الأولوية، وهي لذلك تحتاج مختلف مكوّنات المجتمع للنجاح، من المواطنين الى مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المحلية التي تتلقى منها البلدية مساعدات مادية أو تقنية، أو تدخل في شراكة معها في تنفيذ مشاريع تنموية.
قرية معربون الحدودية هي ككل القرى وبلدات البقاع الشمالي المحرومة التي حكمت عليها الجغرافيا في موقعها، فتناستها الدولة حيناً وغابت الرؤية الصحيحة للنهوض بها أحياناً كثيرة، واقتصر العمل على الأساسيات كون البلدية فيها مستحدَثة من الدورة الماضية عام 2010.
ومع إستلام المجلس البلدي الجديد مهامه العام الماضي، عمل على إستكمال المشاريع الأساسية ومنها خزان مياه الشفة الذي يُعتبر شريان الحياة الرئيس لأبناء البلدة لأنّ المياه تُجَرّ من أعالي الجرد بواسطة قساطل معدنية، وهي لم تعد تكفي الحاجات المتزايدة إضافةً إلى الوضع الأمني الذي منع وصول الأهالي في المرحلة الماضية إلى الجرد لإصلاح أيّ أعطال أو الدفع في إتجاه تحسين ضخ المياه.
عملت البلدية الماضية على حفر بئر إرتوازي سعت لإستكماله ببناء خزان لتجميع المياه ومن ثم توزيعها على الأهالي من دون أن تنجح بسبب غياب التمويل اللازم، وضعف قدرة البلدية على تمويل هكذا مشروع.
واليوم، إستبشر أهالي بلدة معربون خيراً بعدما تمّ تأمين التمويل اللازم لبناء خزان المياه، نظراً لما يحمله من أهمية تنموية، ويخفف أعباء الناس ومشقتهم، حيث إستقبله الأهالي برحابة صدر وفرح، شاكرين لوكالة التنمية الأميركية تمويلها المشروع، بعدما ساهمت إحدى الجمعيات الفاعلة في منطقة بعلبك- الهرمل في إبرام عقد شراكة بين الوكالة وإحدى جمعيات البلدة المدنية لتنفيذه.
ووفق الأسس المتّبعة، تمّ إستدراج عروض من شركة msi في بيروت وفق شروط مناقصات محدَّدة لحجم الخزان وكمية الحديد والباطون وتجهيزه بقساطل وسلالم وما شابه، وبحسب الأصول رست المناقصة على إحدى الشركات بمبلغ مئة وثلاثة آلاف دولار، ليبدأ بعدها التنفيذ.
لكنّ مفاجأة الأهالي والفاعليات كانت كبيرة عندما وجدوا تغييراً كاملاً وشاملاً في شكل الخزان وفي مواصفات المواد الموضوعة فيه (الحديد) إذ اختلفت عن سابقتها التي على أساسها تمّ إستدراج العروض. ونتيجة ذلك، طلب عدد من أعضاء البلدية المهندس المسؤول عن المشروع من الشركة، فحضر إلى مكان العمل وقال إنّ المواصفات قد تعدّلت بطرح من الشركة، واضعاً بتصرف لجنة الأشغال خريطة جديدة غير تلك التي إستدرجت العروض على أساسها.
ونتيجة مراجعة الخرائط فوجِئ الأهالي بأنّ الخريطة الجديدة مناقِضة تماماً للخريطة الأولى من حيث الشكل المستطيل وعرضه، وكمية الحديد وسماكته بحيث أصبح 16 ملم و14 ملم في أرضية الخزان بعدما كان 20 ملم، إضافةً إلى أنّ أرضية الخزان، وبعد تجهيزها بالباطون، بدت التشققات فيها واضحة على السطح.
وبحسب إختصاصيين، فإنّ التغيّرات قد تهدّد السلامة العامة نتيجة الشكل الخارجي للخزان، إذ إنّ كل الخزانات التي أُنشئت في القرى والبلدات كانت دائرية ما يخفف ضغط المياه بعكس الشكل المستطيل الذي قد يضغط على الزوايا ويعرّض الخزان للتشقق إضافة إلى ضعف المواد وتغيير سماكة الحديد، لا سيما أنّ المنطقة جبلية وتتكوّن فيها طبقات جليدية شتاءً ما يستدعي قوة إضافية في البناء.
ولدى مراجعتنا رئيسَ البلدية للإطّلاع على ما يتداوله الأهالي، فوجِئنا بردٍ سلبي وتعاطي بنبرة تهديدية طالباً منا عدم التوجّه إلى الخزان وتصويره، علماً أننا كنا قد زرناه سابقاً، الأمر الذي يطرح علامة استفهام.
أما الشركة المسؤولة عن تنفيذ المشروع فلدى إتصالنا بها للإستفسار طلبت منا التمهّل من دون أن تعطي جواباً شافياً وشفافاً، عازيةً سبب التغيّرات الحاصلة إلى صلاحية الشركة بتغيير الشروط والمواصفات. ولدى السؤال عن صلاحية الشركة بالتغيير ولماذا لا يتم استدراجُ عروض جديدة في حال حصول تعديل في المواصفات كون التكلفة أصبحت اقل، فلم نلقَ جواباً.
ولأنّ المشروع ذات أهمية عالية للبلدة وحرصاً على إستكماله وفق المواصفات الأساسية إستمهل الأهالي المنفّذين لطلب كشف جديد من المموِّل الأساسي من دون أن يكترث أحد.
وهنا يقول أحد فاعليات البلدة إنّ الوكالة الأميركية للتنمية مشكورة تموِّل مشاريع عديدة في المنطقة، وبما أنها غير قادرة على الوصول والحضور إلى هذه المناطق نظراً لطبيعتها والصعوبات الأمنية، فهي تموِّل مشاريع بالشراكة مع جميعات محلّية، ما يدفع شركاء الوكالة إلى تنفيذ المشاريع وفق أهوائهم ومصالحهم الشخصية بسبب غياب الكشف والرقابة من الوكالة، مؤكّداً أننا نخشى من أن يكون عدم قدرة الوكالة على الرقابة المباشرة سبباً في مخالفة الجهة الشريكة والمتعهّد شروط العقد، مطالِباً بإسم أهالي البلدة وقف العمل بالخزان لحين كشف الوكالة والإطلاع على ما يُجرى.