لم يتحوّل قائد الجيش العماد جوزف عون لقمة سائغة في فم “التيار الوطني الحرّ” أو أي طرف سياسي آخر، إذ إن الجميع ظنّ أن اختياره من قبل العهد سيضعه في موقع المطواع للوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أو من ينتدبه الأخير لتولّي حقيبة الدفاع.
من يراجع تاريخ وزارة الدفاع وعلاقتها بقيادة الجيش منذ حقبة الإستقلال يعرف تماماً أن تلك العلاقة لم تكن على ما يرام، لكن الغلبة كانت دائماً لقائد الجيش لأسباب عدّة أبرزها أن قائد الجيش هو ماروني ومشروع مرشّح لرئاسة الجمهورية، لذلك يشكّل نقطة جذب للجميع، بينما وزير الدفاع تعيّنه السلطة السياسية وينتهي دوره مع سقوط الحكومة، والنقطة الأهم أن الصلاحيات العسكرية الأساسية بقيت مع قائد الجيش وليست مع الوزير.
ويتحدّث من مرّ على وزارة الدفاع أن التهميش التاريخي كان أحد أهم عناصر ضعف الوزارة، علماً أن هيكليتها تتألف من مؤسسة الجيش والمديرية العامة للإدارة والمفتشية العامة والغرفة العسكرية. والجدير ذكره، أن معظم دول العالم يوجد فيها رئيس أركان الجيش للدفاع وهو من يدير سياسة الجيش، وهذا المنصب موجود بدل قائد الجيش.
ويشير من يتابع الخلاف بين قائد الجيش ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال الياس بوصعب إلى أن سبب الخلاف هو سياسي في الدرجة الأولى، إذ إن البعض ينقل أن باسيل حاول فرض سياسته وتأمين مصالحه داخل المؤسسة العسكرية عبر بوصعب، ما عرقل عمل الجيش ودفع هذا الأمر بعض أعضاء القيادة العسكرية إلى القول إنه “كانت توجد مشاكل بين القيادة والوزير السابق يعقوب الصرّاف، لكنّ الأخير لم يكن مؤذياً أو يعمل داخل المؤسسة بهدف الأذية مثلما يحصل الآن، إذ إن هذه المرحلة هي من أسوأ المراحل التي تمرّ علينا”.
وفي السياق، فإن المعلومات تؤكّد أن “كيل” قائد الجيش طفح عندما وصلت طلبات باسيل إلى حدّ لا يحتمل، فقد حاول القائد منذ البداية عدم الدخول في الإشتباك السياسي معه، لكنّ باسيل أراد تحويل الجيش إلى مؤسسة تأتمر منه مباشرةً وكأنه لا وجود لقيادة عسكرية أو أن هناك حدّاً أدنى من احترام للمؤسسة.
وكانت غالبية طلبات باسيل من قائد الجيش غير قابلة للتنفيذ وأبرزها الترفيع والترقية غير القانونية وللمحاسيب، في وقت أجرى العماد جوزف عون إنتخابات هي من الأنزه في المدرسة الحربية.
ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل إن باسيل كان يطلب الإجتماع دورياً مع قائد الجيش لتسليمه ورقة مطالب لتحقيقها، وهذا الأمر استفزّ القائد وجعله يقطع علاقته بباسيل.
الفضيحة الكبرى
وأمام تطوّر الوضع نحو الاسوأ، عمل قائد الجيش على فصل العلاقة بينه وبين باسيل من جهة، وبينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة ثانية، واعتبر أنه يردّ على طلبات الرئيس فقط، علماً أن كل الطلبات التي كانت تأتي من قصر بعبدا كانت منطقية وتحت سقف القانون، خصوصاً أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
لكن الفضيحة الأكبر، حسب المعلومات التي تتردّد من اليرزة، والتي لم تحصل في تاريخ لبنان وتمسّ بالسيادة الوطنية والعسكريّة وتعتبر تدخلاً سافراً في عمل المؤسسة العسكرية، كانت تعيين منسق لـ”التيار الوطني الحرّ” في وزارة الدفاع وهو عميد متقاعد، وقد خفّ دوره حالياً بعد الإشكال الذي نشب بين قائد الجيش من جهة وباسيل وبوصعب من جهة أخرى.
وفي المعلومات أن عمل هذا المنسق كان كوصيّ على الوزارة ويتدخّل في حال نشب خلاف بين قائد الجيش ووزير الدفاع، ويعمل على تأمين طلبات “التيار” داخل المؤسسة العسكرية ويتدخل في معظم الأمور. ويثير هذا الأمر امتعاضاً في صفوف القيادة وكبار الضباط الذين يعتبرون أن ما حصل هو انتهاك للحرمة العسكرية، فكيف يمكن لتيار سياسي أن يعيّن منسقاً له في وزارة سياديّة، خصوصاً أن هذا الأمر لم يحصل في تاريخ المؤسسة من قبل.
كل تلك التصرفات جعلت قائد الجيش يأخذ موقفاً حازماً ويضع حدّاً لكل التجاوزات، مانعاً تحويل الوزارة إلى وزارة لفئة دون أخرى، لكن “القشّة التي قصمت ظهر البعير” كانت خلال اندلاع ثورة 17 تشرين، حيث كان هناك ضغط من وزارة الدفاع من أجل فتح الطرق بالقوّة واستعمال العنف ضدّ المتظاهرين، لكن قيادة الجيش رفضت هذا الأمر، وتركت لنفسها حرية تقدير الوضع.
وعلى رغم أن “التيار الوطني الحرّ” يحاول وضع يده على الجيش، إلاّ أن المشكل الكبير هو أن العماد جوزف عون مرشح رئاسي، في حين أن باسيل يريد تحقيق حلمه الرئاسي. وقد خيضت حروب كثيرة ضد العماد عون لحرق اسمه أبرزها قصة العميل عامر الفاخوري، وسط اتهامات عونية لقائد الجيش بأنه يساعد في قطع الطرق في المناطق المسيحية بشكل خاص من أجل تشويه صورة باسيل، وهذا الأمر تنفيه القيادة جملةً وتفصيلاً، وتؤكّد أنها تعمل وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية وليس وفق أمنيات البعض، خصوصاً أن مهمة الجيش هي حماية الشعب والأملاك العامة والخاصة والدفاع عن لبنان وليس الصدام مع شعبه.