IMLebanon

مشهد عدوان تموز 2006 يتكرّر في جرود عرسال .. حزب الله بين خلّة وردة ووادي الخيل

.. من وكر الارهابي ابو مالك التلي في وادي الخيل في جرود عرسال.. ردد احد القادة الميدانيين في «حزب الله» يقول.. «من يخوض المعركة ويُمسك بها، عليه ان لا يقضي على عدوه بالكامل، بل تركه في حالة المهزوم والمحاصر والمنهك، فهذا من شأنه ان يحقق المزيد من اهداف المعركة.. وبأقل الخسائر».

  هو خلاصة المسار الذي سلكته معركة جرود عرسال، في سبعة ايام من الضغط العسكري المتدرج، وصولا الى الساعة الاخيرة من المفاوضات وما حملت من دقائق حاسمة وفاصلة، بين انهيار الصفقة وبين رضوخ «جبهة النصرة» لكامل شروط «حزب الله»، لكن تلويح «حزب الله» بالاستعداد لاستكمال المعركة عسكريا، وهو يستند في هذا الخيار الى وقائع السيطرة على الميدان الجردي، كان كفيلا بالمضي في صفقة تصفية الارهاب في الجرود، لان هوية المنهزم باتت معروفة ، كما هوية المنتصر.

  هو انتصار حقيقي، يسجله «حزب الله»، وهذه المرة من البوابة الشرقية للبنان، انتصار عنوانه تحرير جرود عرسال واستئصال بؤر الارهاب منها و«ترحيل» بقايا الارهابيين، واستعادة رفات مقاومين سقطوا في مواجهات جرت على الارهابيين، وتحرير الاسرى من مقاتلي الحزب. قد يرى البعض في معركة جرود عرسال، بالنسبة الى «حزب الله»، انها الحرب الاكثر حساسية بين كل الحروب التي خاضها منذ ظهور تشكيلاته العسكرية في اعقاب الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران العام 1982، بالنظر الى سلسلة التعقيدات  الجغرافية والسياسية والعسكرية والامنية والمذهبية التي ظهرت، وقد بذل القادة الميدانيون الذين تولوا رسم مسار المعركة جهدا يصفه العسكريون بـ «الاستثنائي» و«فوق العادة»، لتجنب اي خطأ عسكري يحصل عادة في مثل هذه المعارك التي تـستخدم فيها مدافع ثقيلة وراجمات وصواريخ قد «تشطح» الى غير هدفها المحدد، وهو ما اشار اليه السيد نصرالله في خطابه الاخير، ما يدل على ان الحزب تجاوز العقدة الاكثر خطورة، واطاح بحملات التسويق لفتنة بين «حزب الله» واهالي عرسال الذين خطوا الخطوة الاولى باتجاه  التأسيس لصفحة تزيل كل التشجنات التي احدثها تمدد الجماعات الارهابية الى الجرود وعرسال وفرض سطوتها على البلدة، على مدى اربع سنوات انهتها المعركة التي خاضها «حزب الله» قبل ايام، من خلال وفد من فاعلياتها الى جارتهم بلدة اللبوة.

من حق «حزب الله»، ان يمضي الى الاخير لتظهير الصورة الحقيقية للانتصار الذي حققه بضع مئات من مقاتليه في جرود عرسال ضد اشرس التنظيمات الارهابية التي ارخى اجرام شبكاتها بثقله على اللبنانيين، ومن حقه ان يُقدم نفسه الدرع الحامي.. في بلد غارق بالازمات، والمتخبط بالحسابات الاقليمية والدولية، والمأسور لموازين القوى الطائفية، ومن حقه ايضا، ان يُعِد السيناريو الكامل لعملية اجتثاث اوكار الارهابيين، ويمضي بتنفيذه خطوة خطوة، ووفق ما رسم وخطط، لاستئصال البؤرة التي خرجت منها عشرات السيارات المفخخة يقودها «اشاوس النكاح الجهادي» لتفتك باللبنانيين وتستبيح دمهم في الشوارع والساحات، ولتستهدف وحدات الجيش اللبناني، بحواجزها ودورياتها وآلياتها، البؤرة التي منها انطلقت مجموعات الرايات السود لتقتل ضباط وجنود الجيش، وتخطف عسكريين من الجيش وقوى الامن الداخلي، وهي نفسها التي فجرت في احياء العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، واستباحت دماء اللبنانيين في بلدة القاع ورأس بعلبك، بعد ان استباحت دم اهالي عرسال، البلدة التي حوّلتها عصابات الارهاب الى ضحيةوُضِعت فوق رقاب ابنائها السكين.

في مثل هذه الايام، قبل احد عشر عاما، قامت وحدة كومندوس من نخبة مقاومي «حزب الله»، بأسر جنديين اسرائيليين في نقطة حدودية في خلة وردة احدى «خلالي» بلدة عيتا الشعب في الجنوب، فشن الاحتلال عدوانا واسعا على لبنان استمر ثلاثة وثلاثين يوما، وتعرض «حزب الله» يومها لحملة محلية واقليمية ودولية، وان كانت المفارقة انها انطلقت على لسان مسؤولين كبار الحكومة اللبنانية و«حشد» نيابي وسياسي وحزبي، لـ «ادانة» «حزب الله» على «استدراج» عدوان اسرائيلي على لبنان!، يومها سارع رئيس الحكومة الى اعلان براءة حكومته من «الفعلة الشنيعة» التي ارتكبها «حزب الله»، وطالب باطلاق فوري وعاجل للجنديين الاسرائيليين .. ومن دون مقابل، وصلت الحملة المحلية على «حزب الله»، وبالتزامن مع اشتداد العدوان على لبنان، الى «ضبط» شاحنة صواريخ كانت تتجه نحو الجنوب ومصادرتها!.انتهى العدوان الاسرائيلي .. وتكرس انتصار المقاومة عليه، بعد ان مُني بهزيمة ما زال دوِيُّها يسمع داخل المجتمع الاسرائيلي، وعاد الجنديان الاسرائيليان ـ القتيلان وفق الشروط التي اعلنها امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فكانت صفقة تبادل وصفها كبار الجنرالات الاسرائيليون بـ  «الهزيمة الثانية الموجعة لاسرائيل»، ليخرج سمير القنطار بعد اكثر من ثلاثة عقود امضاها في المعتقل، ومعه اسرى من «حزب الله» وتحرير رفات عشرات المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين.

اما في معركة تحرير جرود عرسال، فقد اعدَّ «حزب الله» العدة لذلك، بعد تنامي المخاطر الارهابية التي تمثلها «جبهة النصرة» وتوابعها من التنظيمات الارهابية، ورسم السيناريو الذي يمكن ان تسير وفقه المعركة، كانت الضربات الاولى للمعركة هي المفصل الذي اوصلت «حزب الله» الى تحقيق هذا الانجاز العسكري الهام، ونجح مقاتلو «حزب الله» في تحقيق ضربات قاصمة، ادت الى تضعضع المجموعات الارهابية واصابتها بانهيار لمواقعها ودفاعاتها، ما افقدها السيطرة على المعركة والانكفاء الى خطوط كانت تعد خلفية، ليُفتح باب التفاوض على مصير ما تبقى من جبهة النصرة، وما اظهرته الساعات التي سبقت انجاز مراحل الصفقة، ان «حزب الله» هو الممسك يسير التفاوض وتفاصيل الصفقة، استنادا الى الضغط العسكري الذي يمارسه على بقايا التنظيمات الارهابية التي يقودها الارهابي ابو مالك التلي، وكانت الحصيلة .. انهاء «امارة» جرود عرسال وازالة تجمعات النازحين السورين المستحدثة التي كانت الستار يتلطى خلفه الارهابيون كحديقة خلفية لها، و«تسفير» ما تبقى من عناصر مع عائلاتهم، بالمقابل، استكمل «حزب الله» انجازه بتحرير الجرود واطلاق عناصره الذين اُسروا خلال المعارك مع التنظيمات الارهابية في حلب وفي القلمون، اضافة الى رفات عناصره الذين استشهدوا في المعركة الاخيرة في الجرود.

كل هذه الملحمة الوطنية  التي سجلها «حزب الله» في ارض وعرة ومكشوفة معقدة التضاريس الجردية، لم تُنَجِّه من حملات التشكيك والتضليل التي اطلقت سهامها باتجاهه، حتى بدا المنخرطون في هذه الحملات وكأنهم في «خندق واحد» مع التنظيمات الارهابية، يستحضرون شعارهم.. وبعد ست سنوات على احتلال الجرود، بحصرية السلاح بيد السلطة وعدم السماح لاي ميليشيا خارج مؤسسات الدولة بلعب اي دور في الدفاع عن لبنان ..حتى ولو كان في مواجهة التنظيمات الارهابية، التي يُصر هذا الفريق على اطلاق تسمية «ثورة» عليها، وهو نفسه الشعار الذي ينطبق على الواقع في الجنوب وملف المناطق اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر ..من خلال المراهنة على وهم الخيار الدبلوماسي لـ «تحرير» هذه المناطق .

من هنا جاء العزف على سيمفونية القرار الدولي رقم 1701 والدعوات لتوسيع مهام قوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل»،  ليطال انتدابها الحدود اللبنانية ـ السورية.. فالتوجس يتنامى لدى هؤلاء من اي انتصار يحققه «حزب الله»، اكان على جبهة مقاومة الاحتلال، ام على جبهة مواجهة الارهاب واستئصاله.. بالرغم مما قاله السيد نصرالله… «نحن لا  نحتاج الى نصر».