الضربة الأميركية الثانية لترسانة النظام السوري آتية… «وداعاً عهد أسرة الأسد».
هذه رؤية واشنطن، وحين تكشف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوط استراتيجيتها لاحتواء حروب سورية ووقفها، تصنّف البراميل المتفجّرة التي يلقيها النظام هناك على رؤوس المدنيين والنازحين، خطاً أحمر ثانياً، بعد الغازات الكيماوية. أما «تطوُّع» روسيا لإعلان عدم رغبتها في اعتراض الصواريخ الأميركية، إذا قرر ترامب مجدداً «تأديب» النظام السوري بعد غارة براميل، فإنما يشكل مساهمة في فعل «التأديب» ذاته.
ليس بسيطاً أن يفاجئ ترامب الذي عُرف بتهوّره، العالم بضربة صاروخية «ذكية» على القاعدة السورية بعد المذبحة الكيماوية في خان شيخون… ليس مجرّد تصريح عابر أن يعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون اقتراب سورية المنكوبة من نهاية عهد أسرة الأسد. ما أراد أن يوحي به الوزير أن القرار اتُّخِذ: ضربات «ذكية» بدل «القوة الناعمة» التي ابتدعها باراك أوباما، ولم تحسم حتى نزع خطر كل السلاح الكيماوي في ترسانة نظام دمشق.
يلتقي تيلرسون الوزير الروسي سيرغي لافروف في موسكو اليوم، لإبلاغه رسالة واحدة: أميركا – ترامب جاهزة للتحالف معكم، بدلاً من إصراركم على حماية معسكر الأسد – خامنئي – «حزب الله»، فأي الخيارين أجدى لكم؟
لا لُبس في الرسالة، ولا في حسم مجموعة الدول الصناعية السبع الخيار الأخير لدى الغرب، وهو أن لا سلام في سورية ما دام نظام الأسد جاثماً على الخراب وعلى شعبه، بأي ثمن. صحيح أن وحدة الرسالة تترجم تذليل التباسات في العلاقة بين إدارة ترامب ودول أوروبية وغربية، لكن الصحيح أيضاً أن موسكو التي امتنعت مجموعة السبع عن تهديدها بتشديد العقوبات، مدّت يداً «خفية» لملاقاة الأميركيين في منتصف الطريق. فلا هي مستعدّة لمنع ضربة صاروخية أميركية ثانية على ترسانة النظام السوري وبراميله، ولن تذهب إلى حرب مع الولايات المتحدة دفاعاً عن بقاء الأسد في السلطة.
وإذا كان بديهياً بالتالي، أن يشجّع تفاؤل تيلرسون بنهاية قريبة لعهد أسرة الأسد – وطي حقبة من الحروب والقمع والاستبداد – فصائل المعارضة المعتدلة على التأهُّب لمرحلة جديدة من الصراع، فالبديهي كذلك أن تتضخّم هواجس النظام وقلقه من ساعة الحساب… ساعة «يبيعه» القيصر فلاديمير بوتين، لتدشين حقبة تفاهمات روسية – أميركية في الشرق الأوسط والخليج.
هي ليست ساعة تصفية حسابات، تجنيها إدارة ترامب على طريق شطبها سنوات «القوّة الناعمة». فالحروب في سورية لن تصبح من الماضي، بعد أسابيع، لكن الأهم أن المحاسبة التي يريدها سيد البيت الأبيض، تبدو أداة وحيدة لديه، لاستعادة هيبة الولايات المتحدة… وترتيب أوراق التفاوض مع الروس.
سيخشى النظام في دمشق «صفقة الكبار» لبيعه في مقابل تفاوض الأميركيين على أوكرانيا واستقرارها، وتغاضيهم عن ضم روسيا شبه جزيرة القرم. وأما إيران التي لا يكنّ ترامب أي ودّ لمرشدها، ولم يستطع هضم الاتفاق النووي معها، فتبدو الخاسر الأكبر، وإن فَقَدَ نظام الأسد كل شيء، وتهاوى. هو يدافع عن مواقعه بحراسة ميليشيات أجنبية، وهي تدافع عن مواقع نفوذ إقليمية، لاستدراج عروض «صفقة شاملة»… يحيّرها أنها تأخرت كثيراً.
بديهي أن يفضّل ترامب التفاوض مع القيصر لا المرشد، مهما حرّك خامنئي جحافل ميليشيات ورايات عابرة للحدود. بديهي أن لا ينام المرشد بعد اليوم على حرير الانتصارات المفخّخة، فالضربة الأميركية الأولى أعادت نظام الأسد إلى مربع الخوف.
مع الخوف والإحباط – وعلى رغم «الانتصارات» المحميّة بالقبضة الروسية -، تزداد احتمالات الانتحار. وليس أقل أهمية أن يثبت ترامب «ذكاء» كل ضرباته.