Site icon IMLebanon

حرب الإلغاء الثانية

وددت لو أتعامل مع التقارب العوني القواتي و”اعلان النيات” بإيجابية اكبر، لكني في الحقيقة لم اصدق تلك المودة المستجدة بين الرجلين اللذين، بسبب تباعدهما، جرّا الويلات الكثيرة على المجتمع المسيحي، فإذ بمصلحة غير متوقعة تجمعهما. لكن المصالح في عالم السياسة متبدلة، وغالبا ما تنقلب على ذاتها وفق المتغيرات الداخلية والاقليمية. وفي هذا ما يقلق، إذ ان الاحباط الماروني بلغ الذروة ولم يعد المجتمع المسيحي قادراً على تقبّل المزيد منه في ما لو انفرط عقد التفاهم القائم لاي سبب.

في العام 1989 اعلن العماد ميشال عون حرب الالغاء على “القوات اللبنانية”، لكنه فشل، كما فشلت كل المجموعات اللبنانية في القضاء بعضها على بعض، وبات “العيش المشترك” امرا واقعا مفروضا بعدما سقطت احلام الكانتونات والدول الاسلامية والمسيحية وغيرها. لكن القادة اللبنانيين ما زالوا يفكرون بمنطق إلغائي لم يتبدل رغم عدم مجاهرتهم به. فالفريق الشيعي ادرك كيف يعمل على الامساك بمفاصل الدولة، فوطّد دعائمه في الامن والوظيفة العامة والمرافق الحيوية، وشعاره “رفع الحرمان” تحول اسقاطاً لحقوق الآخرين، خصوصا داخل الطائفة الشيعية التي صارت ممسوكة من الثنائي “حزب الله”- “امل”.

والفريق السني تدحرجت احلامه مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي امسك، او حاول، بكل مفاصل الحياة الاقتصادية، وهو الذي ادرك جيدا ان الاقتصاد عصب الحياة، وان السياسة المالية والاقتصادية تؤثر في السياسة وتضغط عليها. واذا كان “تيار المستقبل” تراجع نسبيا لاسباب كثيرة لا مجال لتفصيلها هنا، فإنه لا يزال الاقدر على التأثير في الساحة السنية والتحدث باسمها، محاولا اضعاف من لا يؤيده من اهل السنّة.

ويبدو ان مسيحيين استهوتهم هذه اللعبة، وهذا الاحتكار التمثيلي، فعمدوا، ولو متأخرين، الى تقليد الآخرين لعلهم بذلك يصبحون شركاء حقيقيين في القرار، بعدما منيوا بخسائر وهزائم بسبب انقساماتهم. لذا توافق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع على استطلاع للرأي يكرّس الغاء الآخرين. فاجتماع القادة الموارنة الاربعة في بكركي حاول في مرحلة سابقة اقصاء اي مرشح خامس، ثم جاء “اعلان النيات” ليلغي اثنين من الاربعة، اذ قام على ثنائي رضي باستطلاع آراء لتحديد الاول والثاني، اي بلوغ الشوط الاخير من الالغاء. فالذي يتصدر النتائج يجب ان يكون المرشح الفعلي للمسيحيين الى رئاسة الجمهورية، بمعنى ان على الآخر ان يلغي نفسه، ويمضي بخيارات جديدة ربما.

فإذا تحققت الاولوية لعون، فيجب على نواب “القوات” النزول الى مجلس النواب لانتخابه بمعزل عن حلفائهم في تحالف 14 اذار. اما المصيبة التي قد تقع على عون فهو ان يحقق جعجع الاولوية، وحينذاك هل يتمكن من الغاء كل احلامه الرئاسية، فيقترع له، ويعمل على اقناع حلفائه بذلك، ام ان نتائج الاستطلاع ستشكل عندها الضربة القاضية لأوراق النيات؟