إن أبرز وجوه تدخّل السياسة في الإدارة تبدأ عند ترداد المسؤولين نغمة الإصلاح الإداري أو التطهير الإداري أو الفساد الاداري واتهام الموظف وإلقاء كل تبعات التقهقر الاداري عليه، في حين أن منع التوظيف هو قرار موسمي يتخذه مجلس الوزراء في آخر كل شهر من نهاية السنة، قبل أن يصبح قانوناً يمنع التوظيف ويعطل مجلس الخدمة ويبيح شراء الخدمات. ولكن الطامة الكبرى أن وظائف الفئة الثانية والتي هي عماد العمل الاداري أصبحت هرمة وشبه شاغرة نظراً إلى تقادم السن بعدم إشغالها وفقاً للأصول وعملًا بالأنظمة والقوانين.
هل يمكن لدولة أن تعطل مرافق أساسية تتصل بحاجات الناس اليومية من دون أن يرف لها جفن؟ هذا ما حصل بالوقائع حين عطلت مباراة حراس الأحراج الناجحين وجُمد انتسابهم إلى عملهم لوجود اعتراض على عدم مراعاة أعدادهم للتوازن الطائفي. بقيت الأحراج بلا حراس، فجاءت النتيجة مأسوية، وبقي موظفو الدفاع المدني بلا تثبيت، في المقابل أدخل الوزراء مئات، لا بل آلاف الموظفين إلى الإدارة العامة من خلال بدعة شراء الخدمات. في الإدارة تضخم ومنافع ومحسوبيات، هي إدارة مشغولة بالتكليف لا بالأصالة والأسباب دائماً سياسية.
بسلبية ينظر المسؤولون نواباً ووزراء إلى القطاع العام، ظهرت البوادر الأولى في مواجهته يوم وصفه أحد الوزراء بأنه قطاع فاشل. بعضهم يصوره على أنه سبب للتضخم المالي والهدر والفساد في البلد. علماً أنّ هذه الإدارة لم تشهد أي خطة إصلاحية جدية منذ أيام وزارة الإصلاح الإداري العام 1992 ولغاية اليوم.
ولا يتوقف الإهمال على عهد دون سواه أو حكومة دون غيرها، حيث شهدنا تخبطاً لدى الحكومات المتعاقبة في شأن الإدارة العامة والقطاع العام وكل التوجهات التي اتخذت في سبيل تطوير الادارة وتفعيل عملها لم توضع موضع التنفيذ. المؤسف أن يتم التصوير وكأن الادارة هي المشكل وسلسلة الرتب والرواتب التي اقرت هي المصيبة علماً أن السلسلة بدأت مع القضاة واساتذة الجامعة العام 2011، ولكن أرجئ البت فيها للقطاع العام حتى العام 2017.
وبينما تولي الحكومة أهمية لتعيينات الفئة الأولى التي تراعى فيها شروط المحاصصة السياسية والطائفية تحت حجة التوازن الطائفي، تعاني الادارة العامة من شغور يقارب 70 في المئة في مراكز الفئة الثانية والتي يتم اختيارها عادة من موظفي الفئة الثالثة. ومنذ ست سنوات ولغاية اليوم لا مراسيم تعيين للفئة الثانية فيما عدد المراكز المأهولة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. علماً أنّ لموظف الفئة الثانية موقعه في الإدارة العامة، هو كقائد الثكنة، فهل يذهب العناصر للمعركة من دون قائدهم؟
منذ غادر الرئيس ميشال سليمان الحكم في أيار 2014 لم يتم ترفيع الموظفين إلى الفئة الثانية، وفي عهد الحكومة الراهنة يتم التغاضي عن الموضوع علماً أن السلطة التنفيذية هي التي تعين هذه الفئة من الموظفين ولديها عشرات المراسيم القابعة في الادراج ولم يبت فيها بعد. ويتم ملء مراكز الفئة الثانية في الادارة كلها حالياً “عن طريق التكليف لأشخاص دون المؤهلات، وهذا هو الفساد، خصوصاً أن من يعين بالتكليف هي السلطة السياسية أي الوزير كي يلغي التكليف أو طرد المكلَّف حين لا ينصاع لمطالبه حتى وإن طلب منه مخالفة القانون، فضلاً عن ذلك فالفئة الأولى يمكن وضعها في التصرف أما الفئة الثانية فلا يمكن وضعها بالتصرف”.
لا ترى مصادر معنية بشؤون الموظفين في الادارة العامة، حجة للتأخير لأن التعيين في الفئة الثانية يحصل عن طريق الاختيار وليس المباراة وهناك عدد كبير من الموظفين المؤهلين للترفيع إلى الفئة الثانية فلماذا لا تسأل السلطة عنهم؟ واذ ترى أن “الادارة أوكسجين النظام اللبناني وشريان الحياة للدولة”، تصف رفض السلطة التنفيذية تغذية الإدارة بأنه “انتهاك خطير”، لتقول إن “الفساد ليس في الادارة بل في من يُدخل اليها موظفين خارج الأطر الشرعية”، وتسأل: “هل بشراء الخدمات يصحح المرفق العام وما المؤهلات التي تتوافر في موظفي شراء الخدمات؟”. الغريب في الامر أن من يحضّر الموازنات هم الموظفون ومن يحضّر المراسيم والخطط للوزارات هم الموظفون أيضاً. ما يعني أن لا غنى عن موظفي القطاع العام.
في حكم المصادر على واقع الإدارة والتعاطي الرسمي معها تقول: “كل ما أنجزه فؤاد شهاب ضربوه، أقحموا السياسة في الإدارة وأنجزوا كل الصفقات في الإدارة وكي يبرروا جريمتهم تحدثوا عن تفعيل الإدارة، أوقفوا التوظيف الشرعي ومشوا بشراء الخدمات أي سلكوا طريق التوظيف غير الشرعي وهذه أكبر جريمة في حق الوطن”.
وتختم قائلة: “لا يتجاوز عدد الموظفين في الملاك في الإدارة العامة 10 آلاف موظف (باستثناء الاساتذة وعناصر الجيش) وكل الأرقام المغايرة غير صحيحة، وفي حين لا يتجاوز عدد المتعاقدين 3000 متعاقد والأجراء 2000 أجير فهل يمكن لهؤلاء أن يشكلوا عبئاً على الموازنة؟ حبذا لو يكون الحل بتفعيل المؤسسات وليس هدمها، وليدعوا الإدارة تعمل!”.