Site icon IMLebanon

الانقلاب الثاني… على البوسفور

تردُّد بعض الانقلابيين على قاعدة أنجرليك التي ترابط فيها قوات أميركية، قبل محاولتهم الفاشلة ليلة 15 تموز (يوليو)، أثار في أنقرة ارتياباً بدور ما ربما لعبته واشنطن لمصلحتهم، ما يفسّر تأخرها في إعلان موقف رسمي من الأحداث التي شهدتها تلك الليلة العصيبة. هذه خلاصة ما توحي به وسائل إعلام موالية للحكم، في تركيا، وقد تصبح القشّة التي تقصم ظهر البعير بين «السلطان» رجب طيب أردوغان وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وبين شبهات بجنرالات في القاعدة التي تؤدي دوراً في الحرب على «داعش»، وارتياب مرير رسّخته سنوات من التوتُّر الصامت بين أنقرة وواشنطن، تشير مصادر ديبلوماسية إلى أن «القرار المهم» الذي وعد أردوغان بإعلانه اليوم، لـ «تدشين عهد جديد» في تركيا، قد يكون ذا شقين:

– الأول تطوير المصالحة مع روسيا إلى مرحلة شراكة تعوّض اهتزاز الثقة بين أنقرة والعواصم الغربية، بعدما أثارت التنبيهات الأميركية- الأوروبية إلى ضرورة احترام تركيا «سيادة القانون»، والابتعاد عن التعسُّف مع الانقلابيين، غضب «السلطان» والحكم الذي اعتبرها أقرب إلى حملات توبيخ. ولم يفت أردوغان التذكير بأن عقوبة الإعدام مطبّقة في الولايات المتحدة التي نصحته بعدم تجاوز الحدود في معاقبة من يصفهم بـ «خونة» متواطئين مع الداعية فتح الله غولن.

وفي السعي إلى «شراكة» مع موسكو، هل هو مجرد مصادفة توقيت إعلان اعتقال الطيارين التركيَّيْن اللذين أسقطا الطائرة الحربية الروسية؟

– الثاني أن يستفيد أردوغان من تداعيات صدمة المحاولة الانقلابية، لتعديل الدستور في البرلمان من أجل بدء عهد النظام الرئاسي الذي يطمح إليه. وهو يستند في التحرك نحو «قرارات سريعة وصعبة»، إلى أن الشعب الذي أنقذه من المحاولة الانقلابية، هو ذاته الذي اختاره بالاقتراع المباشر للمرة الأولى، ولن يمانع في تشديد قبضته، ضماناً لتفادي تضخُّم طموحات العسكر أو المغامرين من الجنرالات المستعدّين لفتح قنوات اتصال خلفية مع الإدارة الأميركية.

وإن كان أحد لا ينكر أن تركيا حزب «العدالة والتنمية» هي التي حجّمت رؤوس الجنرالات، ومعها الأتاتوركية، فالأكيد كذلك أن ما شهدته ليلة 15 تموز وأيامٌ هزت الجمهورية، سيخفّض إلى الحضيض الروح المعنوية للجيش التركي. المفارقة أن هذه الجمهورية التي يعتبر أردوغان أنها تحمّلت الكثير نيابة عن الحلف الأطلسي وعن الاتحاد الأوروبي، في احتواء لهيب الحرب السورية، قد تكون الوحيدة التي تتغلب شرطتها ودَرَكُها على قواتها المسلحة. بل هناك مَنْ لاحظ- تندُّراً- أن دور الشرطة والمخابرات التركية بات أشبه بالدور الذي يمارسه «الحرس الثوري» داخل النظام الإيراني، فيما يفترض أن يكون الجيش التركي الحامي الأول للدستور والجمهورية ورموزها.

وبعيداً من ملابسات ليلة القبض على الانقلاب، وضرب رجالٍ من الشرطة والمخابرات جنوداً مذعورين على جسر البوسفور، يُفترض أن يفتح القرار «الصعب» المرتقب اليوم، الأبواب أمام جمهورية أردوغان، في حين يأمل السلطان بأن تطوي محاكمات العسكر بعد المحاولة الفاشلة وقصف البرلمان، آخر صفحات جمهورية أتاتورك.

صحيح أن غولن اعتبر المحاولة «خيانة للأمة»، لكن الصحيح أيضاً أن مطالبة أنقرة واشنطن بتسليم الداعية لاتهامه بالتواطؤ، مسألة أخرى تدشّن فصلاً جديداً من التأزم بين العاصمتين، فيما غولن يحذّر من «هتلر» آخر على رأس نظام يكاد أن يكون «قبلياً».

وبعيداً من الاتهامات، تركيا بعد 15 تموز قد تُبدِّل موازين القوى الإقليمية، خصوصاً إذا اختار أردوغان شراكة كاملة مع قيصر الكرملين، للتخلُّص من عصا التأنيب الأميركية- الأوروبية، ومن تهديده بثمنٍ للتعسُّف.

أليست التهمة ذاتها هي التي لوّح الغرب بها مرات، لإدانة تعامل الرئيس فلاديمير بوتين مع معارضيه، وكل من يخالفه الرأي؟

والأهم، ألم يتحوَّل قصف البرلمان التركي إلى رصاصة رحمة أُطلِقَت على رأس جمهورية أتاتورك؟

ارتدادات الصدمة ما زالت في بداياتها.