تعب اللبنانيون من كثرة الإنتظار والبحث عن دولة قوية عادلة، يسدّدون لها ما يتوجّب عليهم من واجبات وتؤمّن لهم أبسط الحقوق الطبيعيّة لأيّ مواطن.
لا تقوم دولةٌ من دون جيشٍ قويّ وقادر ومسلّح يدافع عن الوطن عندما يداهمه الخطر، ويحمي أبناءه عندما يهدّدهم أيُّ سوء، وبالطبع فإنّ كل المؤسسات تتكامل لتشكّل عامودَ الوطن. ويُعتبر هذا الأمر طبيعياً وبديهياً في كل كيان يصمّم على الإستمرار.
وقد علِق في أذهان اللبنانيين ذاك المشهد الذي رافق إستشهادَ الرئيس رفيق الحريري وبدء إنتفاضة الإستقلال، فبعد أسبوع دعت المعارضة الى تظاهرة لإسقاط الحكومة الموالية للسوريين، عندها أرادت السلطة السياسية من الأجهزة الأمنية عرقلة وصول المتظاهرين الى ساحة الشهداء، لكنّ الجيش تساهل معهم، لأنه من الشعب، ولأنّ الشعارَ الأساسي الذي كان يُطلق هو «ما بدنا جيش بلبنان إلّا الجيش اللبناني».
وأمام بيت الكتائب المركزي في الصيفي، وزّع الشبّانُ الورود على الجنود، فيما حملت إحدى السيدات طفلها واقتربت من أحد الجنود قائلة: «هيدا جيش بلدنا يا إبني، انبسط لبنان رجع إلكن».
وما بين 14 آذار 2005، ووقتنا هذا، ضاعت الثورة وضاع إنجازُ التحرير، فلبنان الذي تحرَّر من الوصاية السورية، بات تحت الوصاية الإيرانية حسب ما يردّد معارضو «حزب الله»، والسلطةُ ومركزُ القرار اللذان كانا في عنجر إنتقلا الى الضاحية الجنوبية، في حين أنّ القوى التي قامت بانتفاضة الإستقلال تفرّقت، والشعبُ بات يعيش ضياعاً.
في الأمس أعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله يوم 28 آب 2017 يومَ التحرير الثاني، من دون أن يعير إهتماماً لموقف الحكومة، ودعا الى إقامة مهرجان الإنتصار في بعلبك يوم الخميس على إعتبار أنّ البقاع هو أكثر مَن عانى مِن الخطر التكفيري.
ويرى المعارضون أنّ في هذا الأمر رسائلَ الى البيئة الشيعية أولاً والوطنية ثانياً، إذ إنّ نصرالله يحاول إمتصاصَ غضب بعض الأصوات الشيعية البقاعية التي ترتفع بين حين وآخر وتأخذ على القيادات الشيعية تسخير كل موارد الدولة الى شيعة الجنوب فيما أهل البقاع كانوا في طليعة المقاومين ويعانون الحرمان، فأراد «حزب الله» تخصيصَهم بلفتةٍ معنويّة على إعتبار أنّ إحتفالات التحرير تحصل جنوباً، والآن قد أتى دورُ البقاع.
وفي هذا الإطار، يرى كثرٌ أنّ «حزب الله» يحاول أن يظهر بمظهر المنتصر في معركة تحرير الجرود، علماً أنّ كل القوى المعارضة تقول إنّ ما حصل هو تسوية بين «حزب الله» والنظام السوري و»جبهة النصرة»، من ثمّ مع «داعش» في القلمون، ما أدّى الى إخلاء سبيل قتلة العسكريين المخطوفين وخروجهم بباصات مكيّفة الى سوريا بمرافقة الحزب والنظام، بينما الإعلام الحربي كان يتحدّث عن أنه هزمهم واستسلموا، وهنا يُطرح السؤال الكبير: لماذا تركهم يخرجون بلا محاكمة؟
ويلاحظ الجميع أنّ نظرة اللبنانيين تغيّرت، فأدركوا أنّ التسوية التي حصلت لا تعنيهم، لأنّ الجيش كان قادراً على حسم المعركة مع «داعش» وأظهر حِرَفية في القتال، وبالتالي ظهرت «داعش» على أنها ليست «الغول» الذي كان يُستعمل لتخويف اللبنانيين، بل إنّ الجيش اللبناني وضع منذ اليوم الأول للمعركة حدّاً لها، وحاصر كل التنظيمات على الحدود، وهو مَن يجب أن يُقيم احتفالات النصر لا أيّ حزب آخر، خصوصاً أنّ اللبنانيين لم يكلّفوا أحداً الدفاعَ عنهم، لأنّ لديهم جيشاً يحميهم.
تسقط كل محاولات تسويق الإنتصارات، ويردّد اللبنانيون مقولة ما همّنا بالقتال الذي يحصل في حلب وحمص ودرعا والعراق واليمن، فمهرجان الإنتصار لتلك الحروب يقام في تلك المناطق وليس على أرض لبنان، فيما يؤكّد الشعب إيمانَه بالجيش فقط لا غير، ويعتبر أنّه إذا كان التحرير الأوّل هو خروج الجيش الاسرائيلي عام 2000، والسوري عام 2005 من لبنان واستعادة السيادة، فإنّ التحرير الثاني هو عندما يصبح الجيش اللبناني القوّة الوحيدة المسيطرة، وتُسلّم كل أسلحة الميليشيات غير الشرعية، وعندها يكتمل التحرير ويعود القرار لبنانياً صرفاً، لذلك سيستمرّ اللبنانيون في رفع شعار «ما بدنا جيش بلبنان إلّا الجيش اللبناني».
في 8 آذار 2005 وقف نصرالله في ساحة رياض الصلح رافعاً شعار «شكراً سوريا»، وهذا الأمر سبّب ردة فعل عكسيّة فجّرتِ انتفاضة الإستقلال في 14 آذار، اليوم يضمّ نصرالله الجيشَ السوري الى ثلاثيّته، وهذا الأمر أدّى الى شدّ العصب الإستقلالي الذي تراخى، فهل سيؤدّي الى وقف تمدد الدويلة، وعودة الدولة؟