يزداد الإستحقاق الرئاسي غموضاً، وتزداد التكهنات حول مستجداته تناقضاً، وتتنامى حركة الرئيس سعد الحريري تشويقاً، ويُغالب العماد ميشال عون انتظاراً.
تأجّل الرهان على جلسة الإنتخاب الخامسة والأربعين غداً، ولا أحد يضمن ألّا يتأجّل، جلسة إثر جلسة، لاحقاً. هناك مَن ينصح الرئيس الحريري بعدم الإنتحار سياسياً، وهنالك في المقابل مَن يُحذّره من الإنتحار إنتظاراً.
«الموضوع انتهى، وعون الرئيس، والباقي تفاصيل». هذا ما يصرّ على تأكيده المتحمّسون لخيار عون في «تيار المستقبل»، ويُسرّون أن الحريري حسم أمره وبات جاهزاً لتبنّي ترشيح رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير». ويعتبرون أن المواقف المعترضة «ما هي إلّا لرفع السعر وقبض أثمان سيرها بعون».
في الواقع، عاود الرئيس الحريري إنطلاقه بحماسة في ما يشبه سباق الحواجز لفتح الطريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إتصل فور عودته بالرئيس نبيه بري والرئيس الجميل والنائب وليد جنبلاط… وزار المرشح سليمان فرنجية، ولمّح اليه بـ»خيار ثانٍ». وسيواصل حركته في الأيام المقبلة.
واذا ما مضى الحريري بما سُرِّب عن تفاهم بينه وبين عون، فهذا يعني أنه اجتاز حاجزاً، وبقيت أمامه حواجز في سباق لا ينافسه فيه أحد.
حواجز، ربما أكثر صعوبة، ما يتعلق بالرئيس بري والوزير جنبلاط و»حزب الله»، وعلى الرئيس الحريري أن يتمكن من عبور كل واحد منها للوصول الى خط النهاية، وهذا ما يتطلب جهوداً مضنية ووقتاً قد يطول شهوراً.
لن يشكّل قرار الحريري وحده تأشيرة دخول الى قصر بعبدا، فلـ»حزب الله» أجندة خاصة ودفتر شروط يتطلب حواراً مباشراً مع رئيس «المستقبل»، وإن كان عهدَ بإدارة الحوار الرئاسي الى الرئيس بري. ولبرّي كلام كثير وحساب كبير، وإن كان لا يرى جديداً في الملف الرئاسي، ولجنبلاط هواجس قد لا يجد لها تطمينات، وللسعودية استراتيجيات لا تختصرها إجتهادات ولا تفسيرات.
صحيح ان البلد لم يعد يتحمّل الإنتظار فيما الدستور يُنتهك، ونظام الدولة ومؤسساتها يتداعى، والعجز يشلّ الحكومة ومجلس النواب، والإقتصاد يكاد يترنّح، والناس تئن وتكفر من تفاقم الفساد والفوضى والهدر والغلاء وانتشار النفايات وانتفاء المسؤوليات والمعالجات.
ولكن مسؤولية التعطيل والشغور في الموقع الرئاسي الأول لا تقع على الحريري حتماً، بل إنها تعود إلى أسباب أخرى عديدة أبرزها:
أولاً، ربط الساحة اللبنانية منذ سنوات بالنزاع الدائر في المنطقة وخصوصاً في سوريا.
ثانياً، إصرار أفرقاء 8 آذار على حصرية الترشيح، وأحادية الخيارات، في مقابل تشتّت خيارات 14 آذار وتفتّت مكوناتها.
بزيارة الحريري فرنجية بدأت مرحلة جديدة من المعركة الرئاسية تفسّر إرتياح عون. ويبقى السؤال ما هي حدود المناورة في سباق الحواجز الى قصر بعبدا؟