IMLebanon

الإستقالة الثانية

 

 

إستقال سعد الحريري “ثانية”، وفقد الذين ينسبون استقالته “الأولى” في 29 تشرين الأول إلى انسجامه مع “المؤامرة الأميركية” للعودة، لكن على رأس حكومة تُبعد “حزب الله” تحت عنوان وزراء اختصاصيين، حجتهم.

 

حسم الحريري موقفه الذي سبق أن أبلغ الثنائي الشيعي به بعد استقالته بأيام، فقوبل باستمهاله، ثم باتهامه من قبل رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل و”حزب الله” بأنه يتمهل في ترؤس الحكومة الجديدة بهدف حرق المرشحين الآخرين بإصراره على الاختصاصيين.

 

سبب “التأني” عند “حزب الله” رغبته في البحث عن شخصية تقبل بالرئاسة الثالثة وتحظى بتغطية وقبول الحريري، تفادياً لحكومة اللون الواحد. تجاوُب الحريري مع تمهل “الحزب”، على رغم أنه كان اتخذ قراره بالابتعاد، هدف إلى طمأنة قيادته بأن موقفه ليس تخلياً عن دعم شخصية مقبولة منه، ومن الحراك الشعبي، وغير مرتهنة لـ”المؤامرة الخارجية” التي يتوجس منها “الحزب”، ربطاً بالصراع الأميركي الإيراني وتشعباته الإقليمية.

 

ومع أن الحريري ربط تغطيته ومساندته لأي مرشح غيره لرئاسة الحكومة بمدى معقوليته بالنسبة إلى الحراك الشعبي، وبمدى تلاؤم صورته مع تلك التي تهتم لها الدول والهيئات الدولية الداعمة للبنان، فضلاً عن مدى قدرته على مخاطبتها، فإن معظم الأسماء التي عُرضت عليها الفكرة لم تكن متحمسة. ويعود ذلك إلى أن بعض القيمين على الاتصالات مع هذه الشخصيات طرحوا عليها إمكان إعادة توزير بعض وجوه الحكومة المستقيلة مثل الياس بو صعب، ندى البستاني وسليم جريصاتي من “التيار الوطني الحر” (مقابل إخراج باسيل منها)، وعلي حسن خليل من حركة “أمل”، ومحمد فنيش من “حزب الله”. وهو أمر يتعارض مع مبدأ قيام حكومة يرضى عنها الحراك الشعبي وقادرة على استعادة الثقة الداخلية والخارجية من جهة ثانية، حتى يتشجع الحريري على إعلان مساندته لها.

 

لم يقف الأمر عند حدود اتهام الحريري بأنه استقال من دون التنسيق مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، بل بلغ ربط التحركات لقطع الطرقات في بعض المناطق السنية برغبة زعيم “تيار المستقبل” بالضغط لتحسين شروطه من أجل العودة إلى رئاسة الحكومة، الأمر الذي لا يحتاج بنظر أوساطه لخطوات من هذا النوع، إذا كان ينوي تولي المنصب، طالما يطالبه الرئيسان عون وبري و”الحزب” بالاستمرار في تحمل المسؤولية.

 

تعززت قناعة الحريري باستحالة عودته استناداً إلى اشتراطه حكومة اختصاصيين، بعدما عاد تحالف “حزب الله” – “التيار الحر” قبل أسبوعين، إلى المطالبة بعودة باسيل وزيراً إذا كان الحريري باقياً. وهو ما جعله يشير في بيانه أمس إلى حالة الإنكار أكثر من مرة. إنه إنكار خبره منذ بداية الحراك الرافض لبقاء الطاقم الحاكم، حين رغب بالاستقالة استجابة لضغط الشارع، بينما كان شركاؤه في الحكم يدعونه إلى التريث لأن الحراك سينتهي بعد سقوط الأمطار، وبعد أن يفقد المتظاهرون حماسهم مع الوقت. حصل العكس، إذ إن الحريري رأى أن الحراك عامل جديد طرأ على المسرح السياسي وميزان القوى.

 

من الطبيعي أن يعتبر محيط الحريري أنه استُنزف ما يكفي من شركائه في السلطة، خلال الأربعين يوماً من الانتفاضة الشعبية، وبعد 27 يوماً من استقالته. وقد لا يكون توقيت بيان خروجه من دائرة المرشحين لرئاسة الحكومة، معزولاً عن قمع وعنف الأيام الثلاثة الماضية من قبل الثنائي الشيعي، للانتفاضة الشعبية، أخذت أشكالاً أيقظت العصبيات المذهبية السنية الشيعية وأنذرت بفصول دموية.

 

وإذا كان الثنائي لا يأبه لردة الفعل المسيحية على ما حصل في وسط العاصمة قبل يومين، ويستسهل تعنيف المتظاهرين في المناطق الشيعية، كما حصل أمس في صور والنبطية وبعلبك… فإن الحراك في مناطق سنية (ومسيحية) سيوجه ضده كمرشح لتولي المسؤولية، ومصلحته تجنب البقاء متراساً، بين الحراك والسلطة.