أخطر ما يواجه الوضع اللبناني أنه وضعٌ لا يشبه فيه أي بلدٍ من البلدان:
فالدول التي تشهد حروباً تجد مَن يهتمُّ بها، والدول المستقرة لا حاجة لأيِّ أحدٍ ليهتمَّ بها.
لبنان في هذه الحال يشهد أقل من حرب، فلا أحد يهتمُّ به، ولا يشهد استقراراً فيجد نفسه بحاجةٍ إلى مساعدة ولكن لا أحد يساعده.
***
هذا الخطر يمكن تسميته بأنه خطر مزدوج، فالبلد يحتاج إلى كثير من المساعدات الداخلية والخارجية، فيجد إهمالاً على مستويين:
المستوى الداخلي السياسي، والمستوى النقدي الخارجي، فيُصبح واقعاً لا قولاً أن يُقال إنَّ الأزمة وصلت إلى حائط مسدود ولم يعد بالإمكان المعالجة إلا بالطرق الإستثنائية لا العادية.
***
ليست معضلة إنتخابات رئاسة الجمهورية هي العقدة الوحيدة، فعلى مدى عام ونيف ساد الشغور لكنَّ آلية النظام بقيت تعمل من خلال مجلس الوزراء، صحيح أنَّ الشغور في موقع الرئاسة أعطى صورة غير مشرفة للبلد لكنَّ الصحيح أيضاً أنَّ البلد بقي يعمل.
اليوم انتقلنا إلى الشغور الأخطر لأنَّه يطال اللبنانيين في تفاصيل حياتهم ومعيشتهم وقضاياهم الحيوية، إنه شغور السلطة التنفيذية مجتمعةً، وهذا يعني أنَّ قضايا الناس بدأت في أن تكون في خبر كان.
ومن العيِّنات على مخاطر الشغور:
بعد إعلان نتائج شهادتي البروفيه والبكالوريا أواخر هذا الشهر وأوائل الشهر المقبل، يُفتَرض أن يحدد مجلس الوزراء موعد الدورة الثانية للإمتحانات الرسمية، فإذا كان مجلس الوزراء لا يجتمع فكيف سيتمُّ تحديد تلك الدورة؟
وبالتالي ما هو مصير الطلاب الذين لم ينجحوا من الدورة الأولى ويحتاجون إلى الدورة الثانية؟
***
عيِّنةٌ أخرى على هذا الوضع:
ماذا عن رواتب الموظفين في القطاع العام اعتباراً من أيلول المقبل، إذا لم تتمَّ المعالجة من اليوم فكيف سيكون عليه الوضع في أيلول المقبل؟
***
بالإضافة إلى هذه الملفات هناك مخاوف من استحقاقات مخيفة، بدأت تُطل على الساحة اللبنانية لتُثير جملة من الإنشغالات المرعبة.
فليس من قبيل المصادفة أن يظهر النائب وليد جنبلاط فجأة في الأردن لمتابعة ملف الدروز في سوريا، بعد المخاوف من استهدافهم، والأمر عينه بالنسبة إلى الزيارة المفاجئة للوزير وائل أبو فاعور إلى تركيا، إنه الخوف على أبناء الطائفة الذي لا يُضاهيه خوفٌ، وهكذا تنحدر الشؤون الداخلية إلى درجةٍ دنيا من الإهتمام، وحين يتقدَّم إلى الواجهة هذا المعطى تكون مخاوف الطوائف هي المتقدِّمة لتتأخر القضايا الأخرى التي تصير تُعتبر ثانوية.
***
كلُّ ذلك يحدث فيما الحكومة غائبة، لتبدأ المضاعفات السلبية لهذا الغياب والتغييب.
كُثر من المسؤولين الغربيين الذين كانت في أجندتهم سلسلة من مواعيد الزيارات إلى لبنان، قد ألغوا هذه المواعيد بسبب الوضع المعطَّل والمعلَّق للحكومة والذي يبدو أنَّه سيطول، هذا المعطى من شأنه أن يُغيِّب لبنان أكثر فأكثر عن الساحة الدولية، في وقت هو بأمسِّ الحاجة إلى هذا الحضور.
***
في مطلق الأحوال، رمضان كريم، عسى أن يكون بارقة أملٍ للمسؤولين ليخرجوا من المراوحة التي وضعوا أنفسهم بها، ووضعوا البلد في هذه الحال من الحرج.