IMLebanon

انصرف العالم عن لبنان فماتت فيه السياسة اللاثقة سرّ تمسك الحريري وجعجع بمرشحَيهما

كان محرجاً لكتلتي “المستقبل” و”القوات اللبنانية” أن تنزلا إلى مجلس النواب الأربعاء الماضي 2 آذار ولا يوافيهما إليها المرشحان اللذان افترقت الكتلتان بسببهما، النائبان سليمان فرنجية وميشال عون. صحيح كانت جلسة محسومة النتيجة لم يتغيّر سوى رقمها 36 وعدد حضورها 73 لكنها كانت محطة يرى سياسيون من فكر 14 آذار أنها يجب أن تكون أخيرة بهذين المرشحين، وإلا فسيكون الاستمرار في ترشيحهما والذهاب إلى البرلمان لانتخابهما ملهاة أقرب إلى المأساة لا يليق بالكتلتين الجليلتين تكرارها ما دام المرشحان يعلقان حضورهما لتأمين النصاب القانوني على موافقة “حزب الله”، الحزب نفسه الذي لا ينفك “المستقبل” و”القوات” عن مهاجمته يومياً في السياسة والإعلام بينما يقدمان إليه هدية رئاسة الجمهورية، فيضعها في جيبه وعينه على الجمهورية، غير مبال لأحوال شعبها الرثة ويأسه في أسر الفراغ “لا معلّق ولا مطلّق”.

السياسيون الضنينون بروح 14 آذار بعدما تهاوى جسمها التنظيمي يأملون ولا يتفاءلون بأن الحليفين (سابقاً) سيعيدان النظر كلُّ في ترشيح من رشَّح للرئاسة. فلندع جانباً، يقولون، مسألة الإرتباط الوثيق لكل من فرنجية وعون بـ”حزب الله” والمحور الإقليمي الأوسع الذي خلف الحزب، ألا يريان بأم العين أن قدرتهما على المضي في هذا الخيار كما يفعلان هي مؤشر ولا أبلغ إلى سقوط هذه البلاد في قعر اهتمامات العرب والغرب، القريب والغريب على السواء؟

لبنان ؟ ماذا يجري في لبنان، غير تراكم جبال الزبالة؟ يروي أحد القياديين في مجلس خاص أنه بعدما التقى عدداً لا يحصى من ديبلوماسيي دول وهيئات عربية وأممية خرج بخلاصة أن لا أحد يسأل عنّا هذه الأيام. فافعلوا ما تريدون، تسلّوا وتلهّوا أيها السياسيون ما شئتم. في هذا الهامش يتحرك أفرقاء الداخل أحراراً طلقاء. فتصنّف مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، البالغة التأثير عادة في لبنان، “حزب الله” تنظيماً إرهابياً، من غير أن يحول هذا التصنيف دون حرية أفرقاء يتفاعلون عادة مع توجهات تلك الدول في الانفتاح حوارياً على الحزب المعني أكثر من ذي قبل، بل تحسين العلاقات به مقارنة بالسابق. ويثير موقف اتخذه وزير خارجية لبنان جبران باسيل في القاهرة وجدّة غضبة لا سابق لها في الرياض وعواصم خليجية أخرى، وفي الوقت نفسه لا تكترث تلك العواصم لاستمرار فريق لبناني صديق لها في تأييد ترشيح حميه ميشال عون للرئاسة، ولا لإعلان رئيس سابق قريب منها انه متشبث أكثر من أي وقت مضى بترشيح شخصية أقرب ما تكون إلى بشار الأسد و”حزب الله”، ولا مَن يهتم. ولماذا يهتمون ما داموا عارفين أن لا رئاسة ولا من يرأسون هذه البلاد، على المدى المنظور أقله؟

قد يكون هذا الإنصراف العربي والدولي عن لبنان هو سرّ موت الحركة السياسية فيه. ماتت السياسة. ومن يرشح فرنجية لا يتخلى عنه وإن أدرك أن إيصاله مستحيل لأسباب متعددة . وفي الأساس ما كان سيصل بعدما تبيّن أن موقف “حزب الله” الأوّلي من ترشيحه كان الموقف النهائي أيضاً. ولا يتخلّى عنه مَن أيّده خشية أن يفتح تخلّيه أبواب قصر بعبدا المهجور أمام مرشح الحليف السابق، ميشال عون المستحيل وصوله هو أيضاً، ولكن الذي لا يتخلى عنه مَن رشّحه أخيراً لحسابات لا تنحصر في رئاسة الجمهورية. حسابات تتعلق بالعلاقة الصعبة مع حلفاء لم يحسبوا حساباً للأوزان والأحجام في رأيه، وتختلف أساليبهم في الممارسة السياسية كما النظرة إلى الحلفاء. ثمة من يلاحظون عند هذه النقطة أنه لم يعد المهم اسم الرئيس العتيد بل مَن أتى به ودعم وصوله إلى الرئاسة وتفاهم معه مسبقاً على المقابل.

14 آذار اليوم غرفة تلعب فيها الريح بعدما انكسر زجاج الثقة وتشرّعت نوافذها. لا وسيط يسعى إلى مرشح ثالث بين معراب وبيت الوسط، المتباعدين خلف الإبتسامات الحزينة، غير الريح. فات الأوان للسؤال مَن زيّن للحريري ترشيح فرنجية من دون اعتبار لرد فعل جعجع، ولماذا ذهب جعجع إلى المدى الأبعد من غير التفات إلى الخلف، على رغم أن الطريق مقفلة أمام مرشحه عون الذي يحترف الإنتظار والوقت ضده؟

فات الأوان ولم يعد يجدي سوى تدخل خارجي، إيجابي. تدخل بل قرار لن يأتي ما دامت مشكلة هذه البلاد بنظر العالم النفايات ولا شيء آخر. لا الرئاسة الشاغرة ولا الحكومة العاجزة حتى عن حل للنفايات.

الحكومة؟ ربما سيتوجب على المهتمين إقناعها بالاستقالة، في قابل الأيام، من خلال استقالة رئيسها تمام سلام. هي أصلاً تألفت لتدير الفراغ شهراً أو شهرين وليس سنتين. وأوضاع لبنان وشعبه بلغت مستوى من السوء لا أسوأ منه ، وأي تغيير سيكون أفضل. فلتستقل ويحصل ما سيحصل، لعل العالم ينتبه لوجود دولة اسمها لبنان