في ظل التصلب الذي تبديه موسكو ازاء فرض قائمتها لوفد المعارضة السورية الذي ينبغي ان يواجه وفد النظام في موعد حدد مبدئيا في 25 الجاري، يتبادر الى الاذهان، اقله اذهان السياسيين اللبنانيين المهتمين الذين تابعوا الكباش الروسي مع الغرب حول وفد المعارضة السورية ما كشفته روسيا قبل ايام قليلة عن الاتفاق السري الموقع بينها وبين النظام السوري حول شرعية ديمومة وجود قواتها العسكرية في سوريا.
هل يتذكر هؤلاء معاهدة ” الاخوة والتعاون والتنسيق” التي فرضت سوريا على لبنان توقيعها بعد اتفاق الطائف في ايار 1991 من اجل ان تضفي شرعية على وجودها العسكري في لبنان على اساس انه وجود شرعي بموافقة رسمية واحتمى النظام بهذه المطالبة من اجل ان يرفض مطالبة افرقاء لبنانيين كثر بالانسحاب السوري من لبنان لكنه تمتع ايضا بالقدرة في التفاوض عن لبنان او بالنيابة عنه؟. كانت تلك المعاهدة التي وقعت في ظروف قسرية صعبة بعيد وقف الحرب محطة تاريخية بارزة ساهمت في انقلاب الوضع السياسي في لبنان على مدى اعوام الوصاية السورية عليه. وهي مفارقة مهمة ان يجد النظام السوري نفسه اليوم في الموقع الذي اخضع فيه الدولة اللبنانية للوصاية الكاملة ، كما هي مفارقة مهمة الا يبدو الاتفاق السري الذي كشفته موسكو الخميس الماضي بعد اكثر من خمسة اشهر على توقيعه بين وزارتي الدفاع في كل من روسيا وسوريا في 26 آب الماضي قبيل نشر روسيا قواتها العسكرية في مطار حميميم وانطلاق عملياتها العسكرية المباشرة والتي كان من اهم نتائجها انقاذ النظام من الانهيار مختلفا بكثير بعنوانه وجوهره على الاقل وليس في تفاصيله عن معاهدة ” الاخوة والتعاون والتنسيق”. فالبنود التي نص عليها هذا الاتفاق السري الروسي السوري والذي لم يأت النظام على ذكره هي بمثابة اعطاء الروس حرية التصرف في سوريا كما يشاؤون اذ انها توفر هامشا واسعا لحرية الحركة للقوات الروسية على الاراضي السورية وهو لامد غير محدد ويحتاج انهاء العمل به الى الية تتطلب طلبا خطيا ومهلة سنة للتنفيذ. ومن غير المستغرب بالنسبة الى النظام الا يكشف توقيعه على هذا الاتفاق الذي يعني عمليا تنازلا سياديا يمكن ان يحاسب عليه في حين انه في حاجة اليه لتأمين بقائه. وفي حين ان توقيت الكشف عن الاتفاق استبق بيومين بدء العمل بالاتفاق النووي الايراني، فمن الصعب ان يحظى باي اهتمام في حال التسليم جدلا بوجود اهتمام يذكر من جانب الولايات المتحدة بتسلم روسيا “شرعيا” رعاية الوضع السوري. فحين ترك لبنان لسوريا بموجب اتفاق الطائف وسعت الى تكريسه باتفاق يشرع وجودها على نحو دائم، لم يكن ثمة من اعترض بعد انهاك اصاب الغرب من لبنان وحاجته الى اقفال ساحة الحروب التي كان يشكلها. ومع الابتعاد الطوعي للولايات المتحدة عن الانخراط في شؤون المنطقة ولا سيما في سوريا واعتمادها على روسيا من اجل الضغط على النظام وتاليا جلبه الى طاولة المفاوضات، فقد لا يكون هناك الكثير لتعترض عليه واشنطن في اتفاق بين دولتين من حيث المبدأ تضمن فيه روسيا عدم مناقشة اسلوب تدخلها او طبيعته فيما يكتفي الغرب بـ” فضح” استهدافها قوى المعارضة وليس تنظيم الدولة الاسلامية والتشهير بروسيا عبر الاعلام الغربي لقيامها بذلك وفق ما قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند.
مع سعي روسيا الى تسمية الوفد السوري المعارض او تعديل تشكيلته قبيل بدء المفاوضات المفترضة، ثمة الكثير مما يستعيده لبنان من ادارة سوريا لسياسته وما سمي انتقاله من مرحلة الحرب الى مرحلة السلم. واصرار روسيا على تحديد الوفد المفاوض تحت طائل نسف الجولة الاولى من المفاوضات قد ينجح فعلا اذا ابتزت روسيا الغرب في سوريا في ملفات عدة من بينها الملفات المتصلة بالمساعدات الانسانية للبلدات والقرى المحاصرة كما قد يكون المؤشر على التسليم الغربي لروسيا بان تدير الوضع السوري وفق النتيجة التي تتوخاها لمسار الحل السياسي في نهاية الامر او تحدد هي مساره على نحو لا يثير حساسية العالم العربي في الدرجة الاولى والعالم الغربي ايضا. ففي نهاية الامر فان احد ابرز ما حققته روسيا من تدخلها العسكري في سوريا هو الاقرار لها بانها قوة كبيرة لها كلمتها على نحو ما كبرت سوريا من حجمها ايضا كقوة اقليمية لها كلمتها في المنطقة لدى امساكها بلبنان وتحكمها بمسار الامور فيه.
حين سئل ديبلوماسيون اخيرا عن تخلي المملكة العربية السعودية عن تحفظها عن احتمال وصول مرشحين ينتمون الى قوى 8 آذار كما هي الى الحال بالنسبة الى عدم رفض التحاور مع النائب سليمان فرنجيه وعدم ممانعة وصوله الى رئاسة الجمهورية على رغم الصلات الوثيقة لفرنجيه ببشار الاسد، كان جوابهم ان السعودية لم تعد تولي الاسد اهمية بعدما بات رهينة التزامات قوى تسيطر في سوريا بل ان ما توليه اهمية هو ايران ونزعتها الى السيطرة والنفوذ في المنطقة. وهذا يؤدي الى سؤال اساسي هو ما اذا كان تولي روسيا الامساك بالورقة السورية يريح الدول العربية والغربية والى اي مدى هو الهامش المتاح امام روسيا من اجل المساهمة في اخراج الاسد من الصورة وفق خريطة الحل السياسي الذي اتفق عليه في القرار 2254. والاسئلة الصعبة تنسحب على موقف حلفاء الاسد ايضا.