Site icon IMLebanon

سر الإنهيار

 

عام 1973، إقتحم لصّان مصرف «كريديت بانكن» في ستوكهولم، واحتجزا مجموعة أشخاص في داخله، مدة ستة أيام، بَدا بعدها المخطوفون على علاقة إيجابية مع الخاطفين، وتعاطفوا معهما، ودافعوا عنهما.

 

منذ ذلك الحين إنتشر مصطلح «متلازمة ستوكهولم» في علم النفس، وقد عرّف العلماء عنها، بأنها «ظاهرة نفسية تصيب الانسان عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع الخاطف».

 

ولا تتطلّب «متلازمة ستوكهولم»، بالضرورة، حصول جريمة خطف، وإنما هي نوع من ترابط عاطفي ينشأ بين سجّان وسجين، بين مُعتد ومعتدى عليه، بين جلاد وضحية.

 

وما أشبه حالة القابضين على السلطة في بلادنا بحالة الخاطفين، وما أشبه حالة المواطنين بحالة المخطوفين، وكأننا نعيش متلازمة ستوكهولم في حالة خطف لا تنتهي.

 

فعلى رغم أكثر من ثمانين مليار دولار راكموها ديناً على صدورنا،

وعلى رغم من أربعين مليار دولار أهدروها على كهرباء غير موجودة،

 

وعلى رغم عجزهم المتواصل في ادارة البلاد، من إغراق الناس في النفايات والتلوث والفقر، والفساد في مكافحة الفساد، وشل الاقتصاد وافراغ الخزينة، والضياع في متاهات بلا أفق،

 

وعلى رغم كل الاتهامات للطبقة السياسية بالمحاصصات والصفقات والسمسرات، وتفضيل الطيّع الغبي على المتفوّق الذكي، في كل ادارة ومنصب وتعيين،

 

وعلى رغم كل الصراخ، والاحتجاج، والشكوى، ومظاهر الغضب التي يُبديها المواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي، ما زلنا نرى الشاكين الباكين المعتدى عليهم وعلى حقوقهم، تحت تأثير «متلازمة ستوكهولم»، يتقاتلون دفاعاً عن خاطفي انفاسهم وارزاقهم، الفاسدين العاجزين عن ادارة الدولة، وتوفير الحد الادنى من حقوقهم كمواطنين.

 

‏بالأمس، هربوا الى الامام وزادوا الرواتب وأقرّوا سلسلة الرتب والرواتب على رغم انهم كانوا يدركون خطورة ما ترتكب ايديهم، واليوم يحاولون عبثاً ازالة آثار نكبتهم بخفض رواتب الموظفين.

 

‏لا تبنى الاوطان بجشع الامراء وتجويع الفقراء،

 

ولا تقوم دولة بلا حُكم حكيم، وبلا رؤية شاملة وتخطيط استراتيجي.

 

‏لم يكن الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة مقطوعاً من شجرة بل كان رئيساً للبلاد ولأكبر حزب في الجزائر على مدى 20 عاماً، ولم يكن الرئيس عمر البشير يتيماً سياسياً وإنما كان ‏قائداً لـ«الاخوان» وحاكماً للسودان بالعصا على مدى 30 عاماً.

 

في لبنان ثمّة من يعتقد أنه أقوى من البشير وأدهى من ‏بوتفليقة، وانّ «متلازمة ستوكهولم» التي أصابت الشعب اللبناني تحميه بسلاح العصبية المذهبية والولاء الاعمى.

 

إنّ التاريخ لا يرحم، والجوع لا يرحم،

ومن لا يقرأ التاريخ ويأخذ منه الدروس والعبر،

سيأتي يوم ويصبح فيه هو الدرس والعبرة.