ماذا وراء الضجيج السياسي والعسكري تحضيراً لمعركة إدلب؟ القصة بدأت رسمياً خلال معركة الجنوب السوري عندما سربت المصادر الروسية أن اجتياح إدلب سيتم في أيلول (سبتمبر). وبين نهاية حزيران (يونيو) وأوائل تموز (يوليو)، كانت عمليات الجنوب السوري قد حسمت لمصلحة النظام السوري بقيادة روسيا، وأرسيت في تلك المنطقة ترتيبات أبرزها إبعاد الإيرانيين نحو مئة كيلومتر عن الجولان المحتل وقيام الروس بحركة مدروسة فحواها تأكيد الالتزام بأمن سرائيل، عندما سيروا دوريات شرطتهم العسكرية على خط «الحدود» لمواكبة عودة مراقبي الهدنة الدوليين (الأندوف) الى مواقعهم.
واكبت أميركا تطورات الجنوب السوري وباركتها سلفاً، وفي هذا الجنوب بالذات دارت أعقد المفاوضات حول أعقد القضايا. فهنا حيث تلتقي إسرائيل وإيران والأردن في الزاوية السورية الأكثر حساسية، تمكنت روسيا بدعم أميركي تكرس في قمة هلسنكي، من كسب دعم إسرائيل للأسد وإرضائها بإبعاد الإيرانيين عن خطوطها، ووضعت مصيرهم في كل سورية على الطاولة بما يرضي الأميركيين والإسرائيليين معاً، وقبلهم غالبية الشعب السوري المهجر والنازح الذي يرى في إيران وأذرعتها جسماً تدميرياً على مختلف المستويات.
على أهميتها الاستراتيجية، لم تحظ مواجهات الجنوب بالضجيج الحاصل اليوم حول إدلب. وغالبية هذا الضجيج تأتي من الجانب الروسي. فمنذ أيام، بدأت موسكو حملة استباقية تتهم المخابرات البريطانية بالإعداد لهجمة كيماوية في جسر الشغور تكون مبرراً لضربة أميركية على مواقع النظام، وأرفقت هذه الحملة بإرسال المزيد من القوات الى سورية، وحشدت أضخم أساطيلها أمام الساحل السوري، فيما تكرر ليلاً نهاراً أن واشنطن ستضرب وهي تتهيأ عسكرياً عبر نشر صواريخها في البحر المتوسط والخليج العربي.
الغريب في هذه التمهيدات الروسية أنها لم تثر سوى الحد الأدنى من التعليقات الأميركية، فيما لم تغب عن الذاكرة الاتصالات الودية منذ قمة ترامب – بوتين بين ممثليهما، بما في ذلك لقاء مسؤولي الأمن القومي في البلدين الأسبوع الماضي في سويسرا، وبديهي أن هذه الاتصالات لم تكن مخصصة للبحث في جنس الملائكة، وإنما لمعاجة قضايا مشتركة، بينها خصوصاً سير الأمور في سورية تحت سقف القرارات الدولية التي جرى تأكيدها مجدداً، وضمن عنوانين تشدد عليهما أميركا ولا تمانعهما روسيا: أمن إسرائيل وإبعاد إيران.
كان يمكن الجنوب السوري أن يثير إشكالات سياسية جدية، ففيه تجمعت أطراف ما يسمى بالمعارضة المعتدلة، وانزوت المجموعات «الإرهابية» في معازل محصورة، ومع ذلك لم يظهر أن معركته أثارت أياً من تلك الإشكالات. في المقابل، لا يفترض أن تثير المعركة المفترضة في إدلب الكثير من الجدال، خصوصاً أن المعنيين الدوليين بها يعتبرون أن المنطقة باتت نقطة تجمع لعناصر «القاعدة» وتنظيمات إرهابية رديفة. إلا أن الضجة حول إدلب، أخذاً بالاعتبار المخاوف على المدنيين، بلغت حداً يجعل التساؤل حول ما تخفيه مشروعاً ومطروحاً بقوة. ولعل أبرز الأسئلة في هذا المجال يتعلق بمصير حليفي آستانا ودورهما بعد إدلب وخلال معركتها: إيران من جهة… وتركيا التي ستخسر الكثير من جهة أخرى.