أهمّ ما فعله الرئيس الأميركي ترامب بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة حصرية لاسرائيل، انه أنهى لعبة الخداع المعروفة باسم عملية السلام في الشرق الأوسط وانهاء الصراع الفلسطيني – العربي واسرائيل، والمستمرة منذ عقود. وكانت اسرائيل تحتاج الى المزيد من الوقت لأطول فترة ممكنة، من أجل إكمال مخططاتها غير السرية للاستيلاء على كامل القدس وعلى كامل فلسطين، وتهويدهما تمهيدا لاعلان اسرائيل دولة يهودية خالصة! وكان المخرج الأميركي – الاسرائيلي هو اختراع عملية سلام، في مفاوضات لامتناهية لا في الزمان ولا في المكان. وكانت النيّة المضمرة لدى أميركا واسرائيل، هي المماطلة في المفاوضات واطالتها وفق سيناريوهات هوليوودية، وبنكهة المسلسلات المكسيكية وفي حلقات لا نهاية لها، كسبا للوقت وقضم الأرض بالاستيطان، وتيئيس الفلسطينيين بالقمع الوحشي، والعرب بأسلوب العصا والجزرة!
***
غالبية الأنظمة العربية كانت تعرف هذه الحقيقة، وان عملية السلام ما هي إلاّ عملية إلهاء وتمويه، ولن تصل الى نتائج في أي يوم من الأيام. ومع ذلك فقد شاركت تلك الأنظمة ب اللعبة لسببين جوهريين: الأول، هو ان العرب لم يكن لديهم استراتيجية عامة موحّدة لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، لانشغالهم بأحقادهم البركانية وعصبياتهم الجاهلية! والسبب الثاني، هو ان مشاركتهم في ملهاة لعبة السلام كانت تعطيهم نوعا من انقاذ ماء الوجه، وتغطي تقصيرهم وعقليتهم العبثية، بزعم انهم يقومون بدورهم القومي بدعم فلسطين عبر مشاريع ارتدت لبوسا كثيرة، من اتفاق أوسلو والى ما يسمّى بحلّ الدولتين! وحتى لا تبقى الأنظمة العربية في دور متلقي مشاريع السلام، كان يتم الايحاء لها بمشاريع حلول سلمية وكان آخرها مبادرة السلام في قمة بيروت العربية ٢٠٠٢، والتي يدعي فكرة أبوّتها الكاتب الأميركي اليهودي الشهير توماس فريدمان!
***
من واجب العرب ألاّ يفرحوا ويهللوا كثيرا للموقف الغربي والدولي عموما. الغاضب على ترامب والشاجب لمبادرته حول القدس. وعندما يعرف السبب يبطل العجب والاعجاب أيضا. ذلك أن الغالبية الدولية التي انشأت اسرائيل بقرار دولي، ضالعة في ملهاة مفاوضات السلام، وتريد لها أن تستمر الى ما لا نهاية لاعطاء اسرائيل المزيد من الوقت. وسرّ الغضب الحقيقي الغربي على ترامب هو أنه في مبادرته المجنونة حول القدس، كشف المستور، وأنهى ملهاة السلام، وخرّب عملية الخداع الجارية منذ عقود، وأحرج العرب والمسلمين والمسيحيين بل ومن كان ضالعا من الشخصيات الفلسطينية بهذه التراجيديا الاغريقية المعاصرة! ولعلّ أدقّ وصف لمبادرة ترامب هو ما أسمته الفايننشال تايمز بأنها عملية تخريب دبلوماسي أضرّت بالجميع ولم يستفد منها أحد بما فيه اسرائيل!