وصّف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أول من أمس الوضع في الشرق الأوسط بـ«برميل بارود» على وشك الإنفجار. برميل البارود الأميركي الذي استشعر غوتيريش خطر إنفجاره ليس وليد الحرب التي انطلقت شرارتها مع عملية طوفان الأقصى، بل هو حصيلة منطقية لتراكمات وإجراءات عبثية فرضتها الإدارات الأميركية المتعاقبة وتمكنت عبرها من إرهاق العالم العربي بصراعات لا تنتهي، كما تمكنت من إقصاء أوروبا بطريقة منهجية عن أي دور في السياسة الدولية. وما جرائم الحرب غير المسبوقة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي منذ أكثر من مئة يوم، وما إمعان الولايات المتحدة في تجاهل نداءات العديد من عواصم القرار وهتافات ملايين المواطنين المطالبة بوقف المجزرة سوى أعراض لمرحلة ما قبل الإنفجار الذي ستضيق بمفاعيله حدود قطاع غزة لتمتد من البحر الأحمر وخليج عدن الى البحر المتوسط عابرة الدول الأربعة التي لا قرار لعواصمها خارج إرادة طهران.
يستشعر غوتيريش الإنفجار الوشيك لبرميل البارود، وينقل دبلوماسيون غربيون مخاوف حكوماتهم من توسّع دائرة الصراع خارج غزة وسيناريوهات لحروب قادمة بكل ما ستحمله من دمار وقتل. لقد أدى فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي إنجاز ميداني أمام صمود المقاومة الفلسطينية إلى وضع العالم الغربي برمّته أمام اختبار لم ينتظره. تعود هرولة الغرب لمحاولة استدراك الموقف إلى القلق من إنفجار برميل البارود داخل الكيان الإسرائيلي، وإلى تداعيات ذلك على كل ما أنتجه العقل الغربي من خرائط وما رسمه من حدود وسياسات شكّلت منذ انتصاره في الحرب العالمية الأولى وحتى طوفان الأقصى مصدراً لاستقراره وثروته ومجالاً حيوياً لعبثه السياسي والإقتصادي. أعراض انفجار برميل البارود داخل إسرائيل يرصدها الغرب كل يوم في التصدع السياسي الذي تعيشه حكومة الحرب الإسرائيلية، وفي الإخفاقات الميدانية اليومية في كل أرجاء غزة، وفي العجز عن تحقيق ما يمكن أن يشكل إنجازاً للتفاوض كما في الإنقسامات العامودية حيال جدوى الإستمرار في الحرب وأزمة إطلاق الأسرى وأحياناً في التسليم باستحالة استمرار إسرائيل كدولة.
برميل البارود الذي يخشى الغرب والولايات المتحدة تداعيات إنفجاره على إسرائيل سبق واختبره هذا الغرب في المنطقة مع تقسيم فلسطين عام 1949، لتُخترق معه الجبهات العربية عام 1967، وليدخل العراق دائرة التفجير في العام 1989 مع حرب الخليج الأولى وليستكمل إنهياره في العام 2003، ولم تلبث سوريا أن دخلت هذا العالم المتفجر منذ العام 2011 ولا تزال. هذا وقد تطورت مسارات وأشكال العبث الغربي في المنطقة بمرور الزمن ونضوج التجربة لتتحول من التدخل المباشر الى تحفيز المكونات الداخلية على الصدام واستجداء الدعم الخارجي. وبصرف النظر عن كل العناوين التي رفعت عبر كل ذلك المسار التاريخي المتفجّر فالقاسم المشترك فيما بينها أنها تحولت من مواجهات مع الخارج إلى إقتتال في الداخل وإنقسام وطني على حساب السيادة الوطنية والهوية والإنتماء، أليس هذا ما حصل في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين واليمن؟. ألم يكن مرسوماً لدائرة التفجير تلك أن تطال مصر ودول الخليج العربي والمغرب العربي؟
قد يكون لبنان هو النموذج الأكثر دلالة على الإنفجار الذي يخشاه غوتيريش في المنطقة، لقد أدت الإختراقات الدولية والإقليمية التي اختبرها لبنان منذ العام 1975 إلى إحداث إنكسارات عميقة أفقية وعامودية في بنيته الوطنية لا زالت تتفاقم على مستوى الهوية والإنتماء والدور. لقد أتاحت الولايات المتحدة ما يكفي من التدخلات الخارجية لإخراج لبنان عن محيطه الطبيعي عبر التوظيف السلبي في تعدديته الثقافية مما أدى إلى تفككه بالرغم من كل الفرص التي أتاحها الموقف العربي المتضامن مع لبنان سياسياً وإقتصادياً. أليس في العجز عن مناقشة الوضع المتفجر حالياً في الجنوب والإحجام عن اتّخاذ القرار بمواجهة العدو الإسرائيلي عبر المؤسسات الدستورية ما يكفي من دلالات العجز والتحلل السياسي والوطني؟ ألا يشكل عجز المؤسسات الدستورية عن انتخاب رئيس للجمهورية وإفساح المجال أمام التدخلات الخارجية للمقايضات والعروض لتسهيلها شكلاً من أشكال المقامرة بالسيادة الوطنية؟
إن الإنفجار الذي يحذر منه غوتيريش في المنطقة قد حصل فعلاً وأن دولها تعيش مفاعيل هذا الإنفجار، تبدو إسرائيل أنها مرشحة لمواجهة الإنفجار الجديد وقد يكون لبنان هو النموذج الذي يرومه الغرب لاستنساخه في المنطقة بعد أن تضع الحرب في غزة أوزارها.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات