إنتهت معركة بلدتَي «بيت جِن» و«مُغر المير» على تسوية تؤمّن خروج مسلّحي المعارضة منهما إلى إدلب ودرعا، وبذلك تكون فصائل المعارضة المسلّحة التي تحصّنت منذ أكثر من ثلاث سنوات في هاتين البلدتين، قد أزيحَت عن آخِر معقلين لها في ريف دمشق الغربي، والأهم من ذلك، تكون كلّ الحدود السورية مع لبنان، من جبل الشيخ إلى آخِر نقطة في شمال لبنان، قد أصبحت خالية من أيّ وجود مسلّح خارج سلطة الدولة السورية.
لقد واكبَت معركة الحسم العسكري في «بيت جن» و«مغر المير» معركة سياسية عالية الحساسية، دارت بين موسكو والنظام السوري وإسرائيل. فمنذ البداية كانت تل ابيب شريكة في حسابات معركة «بيت جن» و«مغر المير»، كون هذه المنطقة تُعتبر امتداداً لمنطقتين شديدتي الحساسية لإسرائيل بسبب قربهما من حدود الجولان المحتل، وهما درعا والقنيطرة.
وكونها أيضاً تقع عند مثلث الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية ـ السورية، حيث منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، والتي هي خارج القرار 1701 تشكّل امتداداً ميدانياً لها أيضاً.
ولم يعد خافياً أنّ إسرائيل كانت قد ضمنَت لها حضوراً عسكرياً مباشراً داخل بلدة بيت جن من خلال رَجلها الملقب «المورو» (اياد كمال) الذي يقود مجموعة داخل «الجيش السوري الحر» في البلدة.
وأكثر من مرّة خرَّبت تل ابيب عبر حضورها المباشر في «بيت جن» محاولات مصالحة بين مسلحي هذه البلدة والنظام، وذلك تحت دعوى أنّ تل ابيب تخشى من أنّه في حال استعادت الدولة السورية بيت جن ومنطقتها، من دون تقديم ضمانات واضحة لإسرائيل بإبعاد إيران و»حزب الله» عن تلك المنطقة، فإنّ ذلك سيعني فتح ممرّ عسكري مموَّه للحزب، نظراً لوعورة المنطقة، يمتدّ من بلدة قَطَنَة عند أطراف العاصمة دمشق إلى بيت جن وصولاً إلى شبعا اللبنانية.
كيف تمّ هذه المرّة تحييد دور إسرائيل في منطقة بيت جن؟ وهل ما حصَل كان تسويةً معها أم تجاوزاً لـ»الفيتو» التي فرَضته سابقاً على أيّ تعديل للستاتيكو الميداني الذي كان قائماً؟
حصَلت «الجمهورية» من مصادر متابعة على أجوبة عن هذه الأسئلة تشكّل «ملفّ الأسرار السياسية لمعركة بيت جن ومغر المير»، وهي تقع في مشهدين اثنين أساسيَين تفاعَلا في الظلّ وراء غبار المعركة التي احتدمت في هذه المنطقة منذ أسابيع عدة:
ـ المشهد الأوّل، تَمثّل بخلاف سياسي حصَل في الكواليس بين موسكو وتل ابيب حول رؤية كلّ منهما لتحديد موقع «منطقة بيت جن ومغر المير»، داخل «معادلة مراعاة المصالح الإقليمية في الميدان السوري».
لقد أصرّت تل ابيب بدايةً على أنّ هذه المنطقة هي جزء من منطقة جنوب غرب دمشق لخفض التوتر، وعليه فإنّها لن تسمح بحدوث أيّ تغيير ميداني فيها، إلّا إذا ضمن لها الروس والأميركيون والأردنيون (وهم ضامنو منطقة خفض التوتّر جنوب غرب سوريا)، أنّ «حزب الله» وإيران سيبتعدان عن هذه المنطقة بعد دخول الجيش السوري اليها مسافة 40 كلم الى الخلف.
فيما موسكو أصرّت من جانبها على أنّ منطقة بيت جن ليست جزءاً من منطقة جنوب غرب سوريا لخفض التوتر، بل يقع تصنيفها المعتمد أنّها جزء من «منطقة الغوطة الغربية لدمشق»، وعليه فهي غير مشمولة بالتوافقات الخاصة بمنطقة جنوب غرب سوريا.
وفي المحصّلة هي خارج أيّ مساومة إقليمية حصَلت في شأن إنشاء مناطق خفضِ التوتّر الأربع في سوريا. وعلى الرغم من أنّ بعض الصُحف الإسرائيلية تحدّثت عن حصول «مساومة جديدة» في شأن هذه المنطقة قبل نحو شهرين بين موسكو وتل أبيب، إلّا أنّ مصادر متابعة تؤكّد أنّ الاتّصالات الروسية ـ الاسرائيلية لن تفضي إلى تسوية كاملة حول مستقبل وجود «حزب الله» في هذه المنطقة، وتقول إنّ ما حصل هو أنّ إسرائيل قبلت بـ»صفقة الحد الأدنى»، وذلك تحت ضغط رغبتِها الاستمرارَ في مراعاة استراتيجيتها التي توجّه مواقفَها في شأن كلّ المنطقة السورية المحاذية لحدود هضبة الجولان المحتلّ، وقوامُها نقطتان أساسيتان: الأولى عدم الإضرار بالتنسيق القائم بينها وبين الروس حول مستقبل هذه المنطقة، والثانية عبارة عن «رهان إسرائيلي» يفيد أنّه كلّما تمدّدت سيطرة النظام السوري في منطقة الحدود السورية مع اسرائيل فإنّ هذا سيؤدي الى تباينٍ حول المصالح بينه وبين حليفه الايراني!
أضِف الى أنّ التسوية عرضَت على إسرائيل، بحسب مصادر في المعارضة السورية، «وعداً تعويضياً»، ويتمثّل بترحيل مسلحين محسوبين عليها في منطقة بيت جن (جماعة المورو) إلى درعا.
ـ المشهد الثاني يتّصل بقصّة الاتّصالات التي أجراها النظام لإبرام صفقات تفاهُم مع حالات المعارضات المسلحة في بيت جن ومغر المير، لإخراجها من آخر معاقلها في غوطة دمشق الغربية. وتُبرز المعلومات الخاصة في هذا الصدد معطيات أساسية عدة حول نوعية الحلّ الذي اقترَحته الدولة السورية على المسلحين بهدف استعادتها منطقة المثلّث الحدودي اللبناني ـ الإسرائيلي ـ السوري:
ـ أوّلاً، قام النظام سابقاً بمحاولات عدة لإخراج مسلّحي بيت جن وجوارها، وكانت تفشل بسبب «الفيتو» الاسرائيلي، ولعبَت الإعلامية السورية كنانة حويجة (من بلدة القرداحة) التي أدارت سابقاً مصالحات في قرى تلك المنطقة (كفر جوز وبيت ساير الخ)، بتكليف من الرئيس بشّار الأسد، دوراً في التسوية الراهنة مع مسلّحي بيت جن ومغر المير، ومفادُها ترحيل من لا يودّ مِن المسلحين البقاءَ في المنطقة إلى إدلب أو درعا. فاختار مسَلحو «الجيش الحر» في بيت جن درعا، فيما اختار مسَلحو «جبهة النصرة» في مغر المير إدلب.
ـ ثانياً، إلى جانب دور كنانة حويجة شارَك في الاتّصالات ضابط من جهاز الأمن العسكري السوري – فرع 230، وذلك بهدف تسوية أوضاع المسَلحين الذين سيقبلون بالبقاء في المنطقة، حيث سيصار بعد تسليمهم سلاحَهم الثقيل والمتوسط للدولة السورية إلى إلحاقهم بفوج حرمون، وهو إطار عسكري تابع للأمن العسكري السوري تمَّ تشكيله من بقايا عناصر المعارضة في تلك المنطقة والذين عادوا إلى حضن الدولة بعد المصالحات التي أنجزَتها حويجة بالاشتراك مع فرع 230.