IMLebanon

أسرار الحل على الطريق بين إفطارَي بعبدا و«الراية»

غروب شمس يوم الاثنين المقبل يقيم «التيار الوطني الحر» برعاية الوزير جبران باسيل مأدبة إفطار في مطعم «الراية» في الضاحية الجنوبية لبيروت. المطعم قريب من ملعب الراية الذي كان «حزب الله» يستخدمه لإقامة أكثر احتفالاته رمزيةً، وذلك قبل الورشة القائمة فيه حالياً لتشييد مبنى لمركز تجاري كبير.

يأتي تحديد موعد الإفطار بعد إنجاز قانون الانتخاب الذي خلّف الوصول اليه مقداراً غير قليل من اهتزاز ثقة جمهور «حزب الله» بـ«التيار الوطني الحر». وعليه، ثمّة مَن يرى أنّ توقيت الإفطار، ومكانه يشكلان خطوةً في مسيرة الألف ميل لباسيل لكي يلملم حيويّة إعادة تفعيل صورته وصورة تياره داخل الشارع الشيعي.

غير أنّ نقطة عودة العلاقة الى سويتها بين باسيل والحزب، كان لها موعد آخر، وهو لقاؤه بالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي إنعقد قبيل «إفطار آخر» أقامه الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، وأراده مناسبةً يتصاعد منها الدخان الابيض في شأن الاتفاق على القانون الانتخابي العتيد.

بين الإفطارين، توجد قصة صيرورة تظهير الاتفاق الى قانون الدوائر الـ15، ولملمة أضرار خلفها.. ونقطة الانطلاق نحوهما وقبلهما نحو إرساء تفاهم الحزب ـ التيار على القانون العتيد، كانت حُدِّدت خلال لقاء نصرالله ـ باسيل.

جرى اللقاء وفق تقاليد نصرالله في عقد لقاءاته السياسية الحاسمة، خلال وقت غير مبكر من الليل، وعلى نحو استغرق وقتاً طويلاً. وخلاله عرض نصرالله لوجهة نظره حول حماية حقوق المسيحيين التي لا تكون بالخطاب والمصطلحات التي تمّ استخدامها في الآونة الأخيرة، والهادفة الى تحقيق تعبئة شعبية، وباستحضار مصطلحات تذكّر بزمن الانغلاق ولا تفضي إلّا الى استفزاز الآخر، بل تكون بتحالفاتٍ سياسية على أساس وطني تحمي المصالح الوطنية للمسيحيين داخل النظام. فيما أبدى باسيل رغبته في أن يُترك له شأن إدارة استثمار سياساته داخل الساحة المسيحية على طريقته.

وتجدر الإشارة الى أنّ هذا اللقاء إنعقد تحت سقف إقتناع نصرالله الراسخ بأنّ تحالفه مع عون و«التيار» لم يهتز، لذا لا يصحّ وصف اللقاء بأنه كان مناسبةً لغسل القلوب، بل مناسبة لتبادل الخلاصات الحاسمة في اللحظة الاخيرة التي تسبق نفاد المهلة الدستورية في اتّجاه الدخول في نفق العودة الى قانون الستين الذي يعارضه نصرالله بقوة، أو الفراغ الذي لا يخفي الحزب أنه سيواجهه باستقالة وزراء الثنائي الشيعي وحلفائهما من الحكومة..

إنتهى اللقاء الى توافق ليس فقط على الملامح العامة للقانون الانتخابي العتيد، بل ايضاً على تفاصيله الأساسية، فنجح باسيل في الاحتفاظ بالصوت التفضيلي على أساس القضاء، و كان نصرالله يريده على أساس الدائرة.

وعدا الموافقة على إعادة مقعد المدوّر الأقلّوي الى دائرته السابقة، فإنه خلال اللقاء سقطت مطالب باسيل الأخرى وأبرزها نقل مقاعد مسيحية من دوائر الى أُخرى، ومنها المقعد الماروني من طرابلس الى البترون.

أما مطلب تعيين نواب ممثلين عن المغتربين، فواجهه «حزب الله» من زاويتين، أولهما كيف يتم تحديد الانتماء المناطقي لهؤلاء النواب، والثاني على صلة بأنّ «حزب الله» غير قادر على التواصل الانتخابي مع جمهور المغتربين في ظل شراسة حملة العقوبات الدولية عليه المرشَحة للتصاعد.

لقاء نصرالله ـ باسيل أعدّ العدة لنجاح الجانب السياسي من إفطار قصر بعبدا.

وكانت رشحت الى بري أجواء التوافق بين «الأصفر» و«البرتقالي». وخلال الإفطار كان يستطيع في ارتياح ملاحظة أنّ عون اتّخذ ممّا كان توصّل اليه نصرالله وباسيل، قاعدةً مدخلية للبناء عليها لإنضاج صفقة الحل.

في هذه الأثناء كان النائب «القواتي» جورج عدوان، يشغل المساحة التي كان باسيل يملؤها بكلّيتها، وتتمثل بتأدية دور نقطة المحور في إدارة اتصالات بين القوى السياسية لإنتاج قانون الانتخاب. في الكواليس هناك تأكيدات أنّ كلّاً من بري والنائب وليد جنبلاط شجّع نقل دور محور الاتصالات من باسيل الى عدوان، وذلك في إطار «زكزكة» الأول.

ليس واضحاً بعد، ما إذا كان حصل اتصال مباشر بين بري والدكتور سمير جعجع لهندسة دور عدوان، علماً أنّ مصادر قريبة من عين التينة تفيد أن لا معلومات لديها تؤكد هذا الاتصال أو تنفيه، ولكنها لا تستغربه إذا حصل.

وتشيرالى أنّ العلاقة بين وبري وعدوان جيدة في الأساس، وأنّ الأخير أحسن التقاط فرصة رافعتي بري وجنبلاط لدوره كمحور اتصالات لإنتاج القانون العتيد، والأبعد من ذلك فإنّ جعجع نجح في توجيه ثلاث رسائل في هذه المناسبة، أولها، تثبيت صورة أنّ «القوات» أصبحت جزءاً من اللعبة السياسية، وثانيها، تحويل صورة عدوان خلال أداء دوره لحلّ الأزمة الحالكة، الى «وجه تفاؤل للبنانيين» لا وجهاً تنعكس على ملامحه صعوبات الحل، والثالثة، أنه في حين كان «التيار الوطني الحر» يتحرك بخطاب تعبوي، فإنّ «القوات» كانت تتحرك في الاتجاه المعاكس.

وفي المحصّلة كسر عدوان في أدائه «عقدة» المقبولية لقيام «القوات» بدور «حجر رحى» في اللعبة السياسة اللبنانية، وهي عقدة لطالما عانت معراب منها.