البيان الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن، بمسودة ومبادرة فرنسيتين، هو أوّل تطوّر جدّي في الملف الرئاسي اللبنانيّ منذ مدّة طويلة، اذا ما احتسبنا زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في السياق المفضي الى هذه الخطوة، وهو ما بالامكان اسناده بطبيعة الحال، في حين يتعذر ذلك بالنسبة الى زيارة الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، التي أعرضت عن العنوان الرئيسي للأزمة اللبنانية منذ سنتين ونيف، ملف الرئاسة، وتمحورت حول مسألة اللاجئين السوريين وأوضاعهم، علماً أنّ أي مقاربة لمسألة اللجوء تقصي نفسها عن مقاربة تفاقم أسباب الفراغ والتعطيل والتحلل في النظام السياسي اللبناني هي مقاربة ناقصة، وأكثر.
البيان الأممي يدعو الفرقاء الى «التصرف بمسؤولية وتقديم استقرار لبنان والمصالح الوطنية على السياسة الحزبية وإبداء المرونة اللازمة والشعور بالحاجة الملحة إلى تطبيق الآليات المنصوص عليها في الدستور اللبناني في ما يتعلق بالانتخابات«. هذه الآليات لا تسوّغ بأي شكل كان عزوف النواب عن حضور جلسات الانتخاب، ولا تعطي للنواب من وظيفة قبل انتخاب الرئيس غير انتخاب رئيس.
المعادلة «المشفّرة» في هذا البيان هي التذكير بهذه الآليات الدستورية من جهة، والدعوة الى «المرونة» والشعور بالحاجة «الملحّة» لانجاز الاستحقاق من بعد طول تأخير. التذكير بالآليات يفترض أنه يعني أساساً من هو «غافل عنها». «حزب الله» والتكتل العوني هم في مقدمة الغافلين عن انتهاج ما يطلبه الدستور وحضور الجلسات. لكن، وجب القول ايضاً، انه حسابياً، لا يمكن للحزب والتكتل العوني تعطيل الجلسات لو كان التزام كل من هم غير الحزب والتكتل العوني بحضور الجلسات مطلقاً.
الشعور بـ»الحاجة الملحّة» يناقضه داخلياً الشعور بالطمأنينة في ظل الشغور. اما الاطمئنان، الذي في غير محلّه، بأنها «شدّة وتزول» ويعود الكرسي ممتلئاً من جديد ولو بعد حين، واما الاطمئنان الى أن الشغور يخدم المرشح الأفضل ويكبح المرشح المفضول، واما الاطمئنان بأنه كلما امتد الشغور بدأ العد العكسي للمخاض التأسيسي الجديد للنظام اللبناني. حالات الاطمئنان المخادعة مقلقة، وأهمية البيان الأممي في أنه ينبه الى ذلك، والى أن الوضع اللبناني لن يبقى الى ما لا نهاية في عهدة يد خفية تقيه شرّ العاقبة كلما تمادى الشغور.
«المرونة» مسألة نسبياً. لكن طبعاً هناك مرشح واحد، العماد عون، يرفضها بشكل مطلق. بل ويعتبر مشكلته مع فكرة «المرونة» نفسها، وليس مع أي مرشّح منافس له، أو يعتبر أن المرونة ينبغي أن تقتصر على اتجاه واحد: مرونة باتجاهه. مرونة على اعتبار أن الرئاسة له تحصيل حاصل.
الحركة الديبلوماسية، والحركة الداخلية، مرشحتان لشيء من الحيوية في ضوء البيان، لكن الهمّة ستعود فتخفت بعدها بمدة وجيزة، طالما أن البيان لم يتبع بسياسة دولية أكثر منهجية وعملانية وتحديداً لـ»ما دون الثلث المعطل» في الشغور الرئاسي من حيث هو مشكلة تزعزع «ليس فقط» استقرار لبنان.
من جهة عودة العين الدولية الى الالتفات للبنان، والتصريح بأنّ الشغور تجاوز كل حد، كان أول الغيث. يبقى السؤال عن أوّل الاغاثة قائماً في المقابل، طالما أن البيان يهيب بمن يريدون تحمّل المسؤولية حل الامور في لبنان، في حين هناك من يؤثر المغامرة على المسؤولية، او يريد فرض رأيه أو لا رأي.