قبل انطلاق الحملة الأمنية التي أعلن عنها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي بساعات قليلة، تبلغ مناصرو حركة “أمل” وحزب الله بأن “الوساطات” لن تنفع هذه المرة، فهناك اتفاق كامل بين القوى الأمنية والأحزاب بأن لا يتم التدخل في حل أي مشكلة بين القوى الأمنية والمخالفين، وهكذا كان في الأيام الأولى للخطة الأمنية، حيث كان لافتاً أيضاً إغلاق هواتف الضباط المسؤولين عن الحواجز.
هذا التنسيق الكامل بين الأجهزة الأمنية والاحزاب اللبنانية لم تخرج عن إطاره الضاحية الجنوبية، تقول مصادر حزبية في الضاحية، مشيرة الى أن هذه الأحزاب كانت من أبرز المطالبين بتدخل الدولة وأجهزتها لضبط الأمن وتوقيف المخلين به، والتنسيق الذي كان قائماً يؤكد عدم صحة مقولة أن هذه الأحزاب لا تُريد “الدولة”، ولكن ما حصل خلال الساعات الماضية كان لا بد من أن يلقى تعليقاً.
بداية، بحسب مصادر متابعة فإنه ينبغي تفصيل الأحداث الأمنية في الضاحية خلال الساعات الماضية لتوضيح الصورة، فما جرى لم يكن خروجاً عن الدولة بالمطلق، ولم يكن جزءاً من مؤامرة تُحاك بوجه الضاحية وبيئة المقاومة من جهة أخرى، كما حاول البعض التصوير.
لا شكّ بحسب المصادر أن الفوضى القائمة في الضاحية بحاجة الى تنظيم، وهذا لا يتحقق سوى بتدخل أجهزة الدولة، حيث لطالما كان موقف الاحزاب، وتحديداً الحزب الأقوى في الضاحية أي حزب الله، بأنه لا يريد مواجهة سكان الضاحية وليست مسؤوليته حفظ الأمن ولا الحلول مكان الدولة، وبالتالي كان مطلوباً قيام هذه الحملة الأمنية في الضاحية كما في غيرها من المناطق.
هذا الأمر بحسب المصادر أزعج كل مخالفي القانون الذين يعتاشون على الفوضى وغياب التنظيم، وهو ما جعلهم، ليس في الضاحية وحسب، بل بمعظم مناطق بيروت، يقطعون الطرقات ويعارضون الحملة الأمنية، ويساهمون بنشر الإشاعات بغية تأجيج الخلافات بين المواطنين والعناصر الأمنيين، فتارة يلعبون على الوتر الطائفي، وتارة يلعبون على الوتر المناطقي، وهذا ما أدى لحصول مواجهات، ولو بسيطة، بين المحتجين والقوى الأمنية.
في الضاحية كان الأمر بارزاً اكثر لأن التحركات كانت أكبر من غير مناطق، وهذه التحركات بعضها كان في سياق ما قلناه أعلاه عن تحرك المستفيدين من الفوضى، وبعضها الآخر كان رداً على ما اعتبره المحتجون تجاوزات القوى الأمنية في تطبيق القانون، وهذا صحيح أيضاً.
كان لافتاً حجم الأخبار الكاذبة التي بُثت حول الخطة الأمنية في الضاحية، حتى وصل الأمر بناشري الإشاعات الى تصوير الضاحية وكأنها ساحة حرب بين الأجهزة الرسمية والسكان، وتحدثت الإشاعات عن اشتباكات وسقوط قتلى، وكل ذلك كان بتوجيه من جهات في الشارع لا تُريد للفوضى أن تنتهي، ولكن هناك أيضاً تجاوزات من قبل الاجهزة في الضاحية، فعلى سبيل المثال من غير المقبول أن تُحجز الدراجة النارية المسجلة فقط لأن سائقها لا يرتدي خوذة، وهذا حصل في الضاحية، كذلك لا يجوز جمع الدراجات النارية المتوقفة الى جانب الطريق، وهذا أيضاً حصل في الضاحية.
في ظل هذه الأحداث، كانت الاحزاب وتحديداً حزب الله أمام موقف صعب، فالحزب من جهة لا يستطيع السكوت عن التطبيق الشاذ للقانون، ومن جهة اخرى لا يستطيع التصرف بشكل يؤكد التهم التي توجه إليه من قبل خصومه بأنه لا يُريد “الدولة”، وبحسب المصادر فإن الحزب على لسان بعض قيادييه أكد أنه مع الحملة الامنية ولكنه ضد الظلم، وتم التواصل مع قيادة قوى الأمن الداخلي ضمن هذا الأطار وتحت هذا العنوان لتصويب بعض الأمور.
ويقول البعض أن “الدولة فاسدة” وهي تُريد الاموال لذلك تنفذ هذه الخطة، وهذا الأمر قد يكون صحيحاً، ولكن يجب التعاطي مع الخطط الأمنية بذكاء، فالمواطن بحاجة الى الشعور بالأمن والأمان، وهذا تقدمه الدولة ويصنعه القانون، وبدل تقويض سلطة الدولة فليكن الهدف تصويب إجراءاتها، فقد آن الأوان لحضور الدولة، كما حضرت من خلال الجيش اللبناني في مخيم شاتيلا وداهمت مركز المخدرات الاهم في بيروت، وكما عليها أن تحضر في كل مناطق لبنان لتطبيق النظام، على أن يكون تطبيقاً عادلاً متوازناً ومترافقاً مع تفعيل مؤسسات الدولة، لتمكين المواطن من القيام بمعاملاته بسرعة.