تردّدت أصداء الإنفجار في اسطنبول في أكثر من ساحة في المنطقة، ومن بينها الساحة اللبنانية التي تابعت خبر انفجار قنبلة في منطقة “تقسيم” في العاصمة التركية، وسط تساؤلات عن الرسائل الأمنية التي قد تكون وراءها والتي تتخطى الساحة التركية، فيما انشغلت الأوساط السياسية المحلية مجدداً بالوضع الأمني، والسؤال عن مدى قدرة الساحة المحلية على مواجهة أي تحديات أمنية في لحظة الشغور الرئاسي.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر ديبلوماسية مطلعة، أن الفراغ الحالي يرتّب الكثير من الاستحقاقات الأمنية والاقتصادية كما السياسية المرافقة له، ولكن هذه الصورة لا تنطبق على المشهد الأمني، خصوصاً في ضوء التنسيق المتواصل والمكثّف بين الأجهزة الأمنية كافةً، والذي أدّى إلى الكشف عن شبكات وعناصر إرهابية قبل أن تقوم بأي أعمال تخريبية.
وفي قراءتها لواقع الحادثة الأمنية والتفجير في اسطنبول، تلاحظ هذه المصادر أن التفجير محصورٌ في المكان والزمان بالساحة التركية، ولكن قد يتجاوزها من حيث الرسائل إلى ملفات أخرى إقليمية ودولية، في حال كان الانفجار حلقةً في سلسلة عمليات إرهابية تستهدف تركيا. وهنا، توضح المصادر الديبلوماسية، أن الدور التركي على خط الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ودور الوساطة الذي تقوم به على صعيد تأمين تصدير الحبوب من أوكرانيا، قد يكون مستهدفاً، ولكن هذا الأمر لن يتّضح إلاّ في مرحلة لاحقة.
ووفق المصادر الديبلوماسية، فإن الحادثة التركية محدودة الإنعكاسات على أكثر من صعيد سياسي وديبلوماسي، لافتةً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفتش عن دورٍ في الأزمة الغربية مع روسيا، ويسعى للقيام بدور وسطي بين أوروبا وروسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا من جهةٍ أخرى. وبالتالي، فإن “الضربة” التي تلقتها تركيا، وكما تتوقع المصادر الديبلوماسية، قد تكون موجّهة لهذا الدور، كما أن المسؤول عنها قد يكون أيضاً طرفاً متضرّراً من الوساطة التركية في الأزمة الروسية – الأوكرانية.
ومن هذا المنطلق، تتحدث المصادر نفسها، عن حساباتٍ جديدة أُضيفت إلى المشهد الإقليمي في الأسابيع الأخيرة، ولكنها لن تحمل أية تبعات على الملفات الراهنة، ومن بينها بالطبع الملف اللبناني الذي يراوح مكانه من حيث الواقع السياسي المأزوم والمعقّد، وإنما الأمني المستقرّ. لكن هذه المعطيات، لا تعني بالضرورة أن هذا المشهد سيبقى على حاله، في حال زاد منسوب التوتر الأمني، وسُجّلت أحداث مشابهة لحادثة “تقسيم” في اسطنبول.
وفي هذا الإطار، تستحضر المصادر الديبلوماسية، كلام مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف عن مرحلة من الضغوط في المنطقة، وبأن هذه الضغوط قد تشمل لبنان، وتكشف عن تحوّل على صعيد تنامي مناخ التوتر في المرحلة المقبلة، مؤكدةً أن سقف أي تصعيد يبدو مضبوطاً.
لذلك، تابعت المصادر الديبلوماسية، بأن لبنان يدخل مرحلة تصعيد سياسي ودستوري، ولكن وفق سقوف وحدود مدروسة، قد يساهم في تسريع عمليات فتح قنوات التواصل بعدما بدأت القوى السياسية تطرح أوراقها على طاولة البحث الجدي في الإستحقاق الرئاسي.