بالرغم من صدور قرار عن مجلس الامن الدولي بأكثرية 14 عضواً وامتناع الولايات المتحدة الاميركية عن التصويت، يدعو الى «وقف فوري لاطلاق النار» بين اسرائيل وحركة «حماس» فقد تواصل القتال في مختلف جبهات قطاع غزة. اللافت ان اسرائيل سارعت لابداء انزعاجها من موقف حليفها الاميركي وذلك لعدم تصويته ضد القرار واسقاطه، كما سبق له وفعل مع عددة مشاريع قرارات سابقة. ونقلت وسائل الاعلام المختلفة بأن اسرائيل شنت ليل الاثنين الفائت عشرات الغارات في غزة وخان يونس ودير البلح والمغازي وبيت لاهيا، في نفس الوقت تستمر اسرائيل في تهديداتها لشن عملية برية واسعة على رفح، والتي لجأ اليها ما يقارب مليون ونصف لاجىء من سكان القطاع، الامر الذي دفع المجتمع الدولي لإبداء خشيته على سلامة المدنيين في منطقة العمليات.
وكان وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن قد حذر وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت خلال اجتماعهما في واشنطن من مخاطر عملية اجتياح رفح، مع تأكيد رفض ادارة بايدن لمثل هكذا عملية برية واسعة.
وكانت الحكومة الاسرائيلية قد سارعت الى الغاء زيارة وفد اسرائيلي «رفيع المستوى»، كان من المقرر ان يزور واشنطن، وذلك احتجاجاً على عدم استخدامها لحق النقض في مجلس الامن ضد القرار، الذي يطالب بوقف فوري لاطلاق النار.
في المقابل رحب الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش بصدور القرار، مشدداً على اهمية تنفيذه بكامل بنوده، كما رحبت «حماس» من جهتها بالقرار، مجددة اتهاماتها لإسرائيل بافشال كل الجهود السابقة للتوصل الى هدنة مؤقتة مقابل تبادل رهائن اسرائيليين واسرى فلسطينيين.
يأتي هذا القرار الدولي ليزيد من تسخين الاجواء القائمة بين الرئيس بايدن ورئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو على خلفية رفض هذا الاخير لكل عناصر الرؤية الاميركية، لحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني وليس فقط الاكتفاء بتطبيق هدنة مؤقتة، على غرار ما كان يجري في المواجهات السابقة.
كعادته سارع نتنياهو في الرد على المقترحات الاميركية برفضه اية امكانية لقيام دولة فلسطينية، وذلك بالرغم من عدم تجاوز الافكار الاميركية مرحلة التسريبات الاعلامية. رد نتنياهو الاسبوع الماضي بقوة على هذه الافكار، مؤكداً رفضه الكامل لفكرة الدولة الفلسطينية، وداعياً لإبقاء السيطرة الاسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، الامر الذي لم يفاجئ دوائر ادارة بايدن.
يتناقض هذا الرفض الاسرائيلي للحلول مع كل ما رمت حماس الى تحقيقه من خلال عملية 7 تشرين الثاني، والذي يتركز على استعادة القضية الفلسطينية الى واجهة الاهتمامات الدولية، وذلك بعد ان غابت لسنوات عديدة عملية السلام عن الاولويات الاميركية والدولية، وبحيث لم تعد تتعدى مستوى بعض الدعوات العربية للعودة الى عملية السلام وفق منطوق مبادرة السلام العربية.
كانت ادارة بايدن منذ البداية داعمة لاسرائيل بكل الوسائل المتاحة، ولدرجة انها جهدت للتغطية على اتهاماتها لحقوق الانسان قبل عملية 7 تشرين الاول، وذلك ضمن سياسة الحفاظ على تدفقات الاسلحة الاميركية والمساعدات الاخرى باتجاه اسرائيل، بالرغم من تجاوزاتها على حقوق الفلسطينيين الظاهرة للعالم بأسره.
حاول بايدن تفادي المواجهة المباشرة مع نتنياهو، من خلال انكاره لرفض نتنياهو للافكار الاميركية، وعلى رأسها اقتراح حل الدولتين. وذلك بدعوة اعوانه للقول بأن نتنياهو قد وافق بصورة مبدئية خلال اتصال هاتفي على حل الدولتين، ولكن ضمن شروط معينة، وكانت المفاجأة الكبرى من خلال رد مباشر وسريع من قبل نتنياهو بأنه «لن يساوم اطلاقاً على مبدأ الهيمنة الامنية الكاملة على اراضي الضفة الغربية»، وبما يتعارض كلياً مع اي طرح لدولة فلسطينية. ويبدو بأن قرار نتنياهو هذا قد جاء لعلمه بعدم قدرة بايدن على الدخول بمواجهة مفتوحة معه، مكرراً بذلك التجربة التي خاضها ضد الرئيس باراك اوباما، والتي انتصر فيها نتنياهو بشكل واضح، ودون ان تتحمل اسرائيل اية خسائر.
وكان اوباما قد رأى في بداية عهده عام 2009 بأنه يرى بأن الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي يشكل جرحاً مفتوحاً للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط، وبالتالي كان على الولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي، والدول العربية المعتدلة ان يعملوا لارساء اسس حل سلمي مقبول.
وذهب نتنياهو الى رفض طلب اوباما بوقف عمليات الاستيطان في الضفة، وقرر ان يواجه بهذا الرفض في واشنطن، اي في البيت الابيض والكونغرس، وذلك اثناء زيارته للعاصمة الاميركية عام 2011.
وبدل ركوب مغامرة المواجهة، فقد تراجع اوباما ووقع كامل عقد المساعدة العسكرية لاسرائيل، والبالغة ما يقارب اربعة مليارات دولار، ويبدو بأن بايدن قد حفظ ذلك الدرس منذ ان كان نائباً للرئيس.
في رأينا من المستبعد ان يذهب بايدن بعيداً في خلافه مع نتنياهو، وذلك بالرغم من ادراكه لانتقادات حلفائه الاوروبيين والعرب، ولذلك فإنه من المستبعد ان يذهب لتحمل المخاطرة في مواجهة نتنياهو، وذلك بالرغم من ادراكه للتمزق الحاصل في الجاليات اليهودية الاميركية، وداخل الكونغرس والتي اعلنت معارضتها جهاراً لتوجهات نتنياهو.
لا بد ان بايدن يذكر جيداً كيف واجهه صديقه نتنياهو عندما وصل الى القدس كنائب للرئيس عام 2010، حيث انه بدل ان يصغي لمطلب اوباما، فقد اعلن بناء 1600 وحدة استيطانية في الضفة. السؤال المطروح الآن: كيف لبايدن ان يتصدى لتحديات نتنياهو باستمرار التصدي في غزة، والاصرار على الذهاب لتنفيذ عملية رفح؟
من الواضح ان الادارة قد ردت على هذه التحديات من خلال معركة اعلامية، شاركت فيها وجوه يهودية اميركية بارزة، ومنهم زعيم الاكثرية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، كما ذهبت الادارة الى دعوة خصم نتنياهو الرئيس بني غانتز لزيارة واشنطن، ومقابلة نائبة الرئيس كاملا هاريس، وذهب الى ابعد من ذلك بالتلميح بضرورة ربط تدفق المساعدات العسكرية بالافراج عن قوافل المساعدات الانسانية لغزة. لكن لم يُظهر بايدن فعلياً ما يكفي من المواقف الحازمة لاجبار نتنياهو على فتح المعابر امام المساعدات.
يدرك بايدن بأن جميع الرؤساء الذين سبقوه قد عانوا كثيراً من علاقاتهم مع نتنياهو، باستثناء ترامب الذي اهداه كل ما يريد..
لا تقتصر المشكلة مع نتنياهو الآن على منع حصول عملية رفح او فتح الممرات للمساعدات الانسانية، ولكنها تتعدى ذلك الى وقف المجازر وعمليات الابادة للفلسطينيين والتي بقيت مستمرة طيلة فترة الحرب. اما ما يعود لعملية رفح والتي اعتبرها بايدن «اجتيازاً للخط الاحمر» فانها يمكن تعديلها لتأخذ طابع العمليات النوعية التي تستهدف قيادات حماس ووحداتها العسكرية.