IMLebanon

الرهان على حوار أيلول «ثرثرة» لملء الفراغ بكلمات فارغة لودريان مُتمسّك «بالأمل»: أرسلتُ الى معركة دون سلاح!

 

 

لا احد في الادارة الفرنسية شجع على عودة المبعوث الرئاسي جان ايف لودريان الى بيروت، وحده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مقتنع بضرورة الابقاء على التحرك الفرنسي «حي»، حتى لو كانت نتائجه مخيبة للآمال. وقد عبّر لودريان عن سوء الوضع الحالي بكلام صريح امام احدى الشخصيات التي التقاها بالقول: «اشعر انه قد تمّ ارسالي الى المعركة دون سلاح»، لكن «علينا الا نفقد الأمل».

 

طبعا هذا الامل يبقى مجرد كلام في «الهواء»، فاللجنة الخماسية «اطبقت» على المبادرة الفرنسية، ولم تمنحها اي تسهيل جدي للحوار، بدليل ان لودريان عاد دون «رافعة» اقليمية او دولية، وهو اليوم يحاول «اختراع» طاولة حوار في ايلول للبحث في تلك المواصفات الرئاسية! ووفقاً لاوساط سياسية بارزة، كلام لودريان يشبه حديث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن اجواء ايجابية، وعن»كوة» قد فتحت في «الجدار الرئاسي». فاشاعة رئيس المجلس لهذه الاجواء مرده الى تبني المبعوث الفرنسي ومن خلفه «اللجنة الخماسية» استراتيجيته في الدعوة الى الحوار، على الرغم من عدم تحديد جدول اعماله او شكله اومكانه، لكن مجرد وجود قناعة خارجية بان المدخل الى اي تسوية يكون عبر الحوار الداخلي ، يعني بالنسبة الى بري امر جيد على الرغم من عدم التعويل على الطرح، خصوصا اذا لم تتزامن الدعوة مع ضغوط خارجية جدية تسمح بكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الازمة.

 

وانطلاقا من هذه المعطيات، يمكن الاستنتاج انه لا يمكن التعويل على النفحة التفاؤلية الصادرة من «عين التينة»، لانها لا ترتكز الى قواعد صلبة. فالجانب الفرنسي فوجىء بدوره بعد نقل تصريحات بري، لان المباحثات كانت قد انتهت الى «لا شيء»، بعد تأكيد رئيس المجلس على التمسك بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وعدم حصول اي متغيرات تسمح «للثنائي» بتبديل موقفه، اي لا تفاوض على اسم ثالث. ولهذا خرج الوفد الفرنسي من اللقاء بانطباع مفاده ان الدعوة الى الحوار التي شجع عليها بري لن تجد آذانا صاغية عند القوى المناهضة لترشيح فرنجية، وهذا ما سمعه لودريان في «معراب»، ومن قوى المعارضة الاخرى. اما في «البياضة» فكان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل منفتحا على الحوار، مع تمسكه «بالفيتو» على كل من فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون. ولهذا لدى الفرنسيين قناعة ان الامور لا تزال عند نقطة البداية، وحوار ايلول المفترض سيكون وفق المعطيات الراهنة حوار «طرشان»! لكنه «شر» لا بد منه.

 

اما تزامن زيارة لودريان مع ازمة الخلافة في حاكمية مصرف لبنان، فزادت من «يأس» الفرنسيين ازاء الاداء السياسي للقوى، التي تتصارع لتحقيق مصالحها الشخصية ولا شيء آخر، كما تقول مصادر ديبلوماسية، وقد برز عتب فرنسي واضح على القوى المسيحية الوازنة، التي لم تسهل التفاهم على تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي لخلافة رياض سلامة. فالفرنسيون الذين عارضوا اي تمديد لولايته مهما كان المسوغ، شجعوا بكركي وكذلك «القوات اللبنانية»، و»التيار الوطني الحر» على ملء الشغور بالتفاهم على شخصية تكون مقبولة من كافة الاطراف، لكن الردود جاءت مخيبة للآمال.

 

وقد حذر الفرنسيون من «سقوط» المراكز المسيحية الواحد تلو الاخر، ولن يكون آخرها قيادة الجيش مع مطلع العام الجديد، وهم يعتقدون ان القوى المسيحية «تطلق النار» على «رجليها» الاثنتين، من خلال التمسك باستراتيجية تعميم الفراغ بانتظار التوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد، لانها سياسة اثبتت عقمها ولم تعد مجدية للضغط على القوى الاخرى، بل تستنفد المواقع المسيحية دون اي جدوى!

 

وفي الخلاصة، عودة لودريان إلى بيروت مجرد تمرير للوقت، لم تحمل أي جديد سوى أنه اطلع القوى السياسية رسميا، على ما انتهى إليه اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة. وكرر سؤاله على الجميع «ماذا بعد؟ ماذا تقترحون؟». لم يعد التذكير بتلويح «الخماسية» بفرض عقوبات على من يثبت تورطه بتعطيل الانتخابات الرئاسية، لانه لا يريد استفزاز بعض القوى الوازنة. كان صريحا بتعرض بلاده لحملة شرسة لتعطيل مبادرتها الرئاسية، لكنه لم يتحدث صراحة عن التخلي عنها ، مع انفتاح واضح على افكار «خلاقة» يمكن ان تكسر دائرة المراوحة الحالية. لم يفتح السؤال عن الحوار المستجد بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكنه فهم بانه في بدايته، ولا فرصة سانحة في الوقت الراهن لاحداث اي خرق في الاستحقاق الرئاسي.

 

في المقابل، من التقى لودريان خرج بانطباع لا يقبل التأويل ان الظروف الاقليمية والدولية ليست ناضجة كفاية للوصول الى تسوية. الجميع يمارس لعبة «شراء الوقت» بمن فيهم الفرنسيون، بانتظار «شيء ما» غير معلوم حتى بالنسبة الى باريس، التي فقدت الثقة بالقوى السياسية اللبنانية، ولا تملك اي جواب شافي حول انعدام الحماسة الخارجية لترتيب «البيت اللبناني»، مع الادراك الثابت بان «مفتاح الحل» يبقى في واشنطن، بينما لا تزال الرياض تتقدم ببطء شديد على الساحة اللبنانية، ولهذا لا رهان على مواعيد، والكلام عن حوار في ايلول يمهد لانتخاب رئيس قبل نهاية العام، مجرد «ثرثرة» لملء الفراغ بكلمات فارغة من اي مضمون.