سلسلة الرتب والرواتب ليست خيبة الامل الدائمة الوحيدة لدى المواطن اللبناني من دولته. فالازمات المعيشية أكثر من ان تحصى، والحلول الغائبة منذ عقود، وتواجه اليوم، اي منذ بداية العهد الرئاسي، صعوبات جمة في تحقيق الاختراقات المطلوبة.
لا يقف طرف سياسي واحد خلف عرقلة الحلول، بل تتحمل الطبقة السياسية مجتمعة المسؤولية، لا لشيء، سوى انها محكومة باداء ملتبس، يخلط دائما بين المصلحة السياسية وبين مفهوم الخدمة العامة، يضاف اليها عامل الوقت الذي يستخدم عكس المطلوب، فيتحول سلاحا آخر بيد هذا الطرف او ذاك، يقارع به خصمه، على حساب حياة الناس.
مناقشات قانون الانتخاب الماراثونية خير مثال على ذلك. استنزفت الطبقة السياسية شهورا ثمينة من عمر العهد، فشهدنا كما هائلا من مشاريع القوانين الهجينة والغريبة، من اجل اضاعة الوقت فقط. فاعادة انتاج السلطة وفقا لمصالح القوى المختلفة، خلال هذه الاشهر الطويلة، شكلت للاسف وسيلة لاضاعة بعض من عمر الوطن والمواطن، ولا نعرف فعلا اذا حقق احد ما مراده، من هذا النقاش الطويل، على حساب احد آخر من فرقاء السلطة. المؤكد ان المواطن لا يأبه سوى لنتائج الانتخابات النيابية وما سيليها، اي ما ستحققه السلطة بشكلها الجديد من انجازات على الصعيد المعيشي.
وقبل ان يرتاح المواطن من «طوشة» ورشة القانون الانتخابي، ويأمل ان تنطلق بالفعل ورشة النهوض الاقتصادي على طريق تحقيق الازدهار، ظهرت على السطح خلافات جديدة قديمة حول قضايا الكهرباء والتعيينات ومكافحة الفساد والنازحين… ودعم الجيش. ولم تكف هذه كلها، لتعود من حين لآخر نغمة تحسين القانون الانتخابي المقر، ومناكفات حول تفاصيل تقنية تخصه من هنا وهناك.
المواطن لا يأبه فعلا. يريد الكهرباء، مثلا، ولا يهمه كيف، ووفقا لاي فلسفة. لكنه يعرف بالتأكيد ان سبب تعثر خطط الكهرباء سياسي ولا شيء آخر.
المواطن يريد ان ينتهي الفساد لانه سلاح يقتله كل يوم، في حين البعض يستخدمه سلاحا لمقارعة الاخرين. وكل ما كشف من فضائح بعض اهل السلطة ، كان من صنع وتسريب البعض الاخر.
المواطن يريد زيادة دخله من دون ان تلتهم الضرائب والتضخم هذه الزيادة. لقد قالوا بانفسهم ان ضبط مزاريب الهدر في مختلف المرافق العامة، يكفي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب واكثر. فماذا ينتظرون؟
هذه عينات من ملفات اصابت وتصيب المواطن بالخيبة تلو الخيبة.
من هو هذا المواطن؟ وهل هو مجرد رقم عابر في حياة هذا الوطن؟
هل هو مقيم في فندق لبنان يطلب الخدمات دون التضحيات؟
أم هو زائر غريب متطفل يريد ان «يلهط» ما استطاع من غنائم؟
بالتأكيد لا.
هذا المواطن هو من صنع التاريخ الحديث المجيد للبنان، وليس احدا آخر.
خرج من الحرب الاهلية بناء، فانتصر على الدمار والدم والاحقاد، ولولا بعض القوى السياسية البائدة، لاختفى التحريض نهائيا. وفي كل الاحوال، لا احد يريد حربا اهلية جديدة.
هذا المواطن تصدى للغزوات الاسرائيلية المتكررة، وقاوم الاحتلال، حرر وانتصر.
قارع الوصاية السورية. ودحرها.
شارك بفعالية في كل الدورات الانتخابية املا ببناء دولة يفصل اركانها نهائيا بين السياسة السياسية وبين السياسة العامة.
في الطريق قدم هذا المواطن مئات الاف الشهداء والجرحى، وبقي لبنان، في وقت يحترق محيطه بالمعنى الحرفي للكلمة.
وان طلب الوطن المزيد سيقدم المواطن كل غال ونفيس. امهات مفقودي الحرب يكتمن حزنهن الجميل، وكذلك ذوو الشهداء، ومعهم مصابو الحروب، والفقراء، والابناء المنسيون، والمهاجرون، ويتابعون. لان الحياة تستمر.
سلسلة الخيبات يجب ان تتوقف.