Site icon IMLebanon

في خطورة الخفّة!

 

خطيرة وإن كانت متوقعة قولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن إيران “كانت” قادرة على السيطرة على المنطقة (الخليجية) في غضون 12 دقيقة لولا أن جاء هو (أي ساكن البيت الأبيض) ولجمَها ووضعها عند حدّها!

 

مبعث الخطورة ليس في إشهار ذلك “الاكتشاف” الغريب، بل في إيراده على لسان رئيس أميركي يُفترض به أن يعرف أكثر من ذلك! وأن يكون مطّلعاً بدقّة على واقع إيران وجيرانها وضحاياها! ثمّ أن يزن كلماته وإعلاناته ومواقفه بموازين استثنائية لا تشبه تلك التي يعتمدها بعض كبار ضباط “الحرس الثوري” الذين منهم مَنْ هدّد بمحو إسرائيل من الوجود في غضون سبع دقائق ونصف الدقيقة!

 

ثم مبعث الخطورة، في كلام ترامب هو أن يُظهر تكتيكاته للوصول الى ما يريد متشبّهاً في الخلاصة بتكتيكات عصابات الأحياء أو “العائلات المافيوية” القائمة على الابتزاز العاري بتقديم وتوفير “الحماية” مقابل مردود مادي! أو بالأحرى: إدفع وإلاّ؟!

 

وهذا في شكل الأمر لا يليق مبدئياً وخلاصة برئيس أكبر دولة في العالم!

 

أمّا في مضمونه، فهو لا يليق بأحد!

 

إيران قبل وصول مستر ترامب بسنوات طويلة، وخصوصاً في عهد سلفه السيّئ الذكر باراك أوباما كانت تتصرف (ولا تزال نسبياً!) وفق أجندة هجومية شديدة الوضوح واللمعان والسفور. ولم تعوّف طريقة ووسيلة إلاّ واستخدمتها واتّبعتها في سياق ذلك. وهو ما أدى لاحقاً (أي راهناً!) الى تركيب ملف ثقيل يستند إليه تحديداً مستر ترامب لتبرير سياسته إزاء إيران باعتبارها “أمّ الإرهاب” وأساسه! ومن قلّة الحصافة والتدبير أن لا ينتبه السيّد رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الى أن تلك الأجندة الهجومية السافرة والمعلنة هذه لم تستطع سوى أن تصيب الأمن الوطني لدول الخليج العربي بوخزات إرهابية حصل مثلها في كل مكان آخر، لكن من دون أن تقدر على زعزعة الكيانات الوطنية والدستورية والنظامية والاجتماعية لتلك الدول، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، مثلما فعلت في اليمن أو العراق أو سوريا أو حتى لبنان..

 

حتى في ذروة التفاهم أو التنسيق أو الاتفاق بين أوباما والقيادة الإيرانية لم تصل طهران في عدائها المفتوح مع السعودية خصوصاً الى أي مكان! بل ربّما تقدّم دوائر الخارجية في واشنطن وغيرها من المؤسسات الأمنية والسياسية الأميركية بعض ما لديها، من ملفّات الى الرئيس ترامب كي يزداد علماً بأن السعودية حمت البحرين من انقلاب إيراني التوجيه والتدبير برغم موقف إدارة أوباما! ثم تصدّت لمحاولة خطف اليمن برمّته نظاماً وكياناً من قبل أتباع إيران برغم مواقف اعتراضية من قبل إدارة أوباما أيضاً.. أي أن الرياض تولّت أمنها الاستراتيجي بنفسها! لم تكتفِ بعدم طلب “حماية” أميركية فقط، بل تصدّت في العمق لسياسة إيرانية “مقبولة” أميركياً!

 

وكذا الحال، في مواقع و”مواضيع” أخرى كثيرة، يمكن أن يطّلع عليها مستر ترامب للاتّعاظ منها والكفّ عن حملة التهويل التي يتّبعها راهناً وبطريقة غير لائقة وغير “علمية” وغير دقيقة، بل العكس تماماً!

 

لسياسة ترامب إزاء إيران أسباب كثيرة منها تهديد طهران لأمن الدول الصديقة، أو الحليفة لواشنطن.. لكن قبل ذلك وفوقه، هو أن ذلك التهديد يطال مصالح كبرى تخصّ الولايات المتحدة (وغيرها من دول العالم) وخصوصاً في شأن منابع الطاقة وخطوط سيرها! عدا عن العاملين الحاسمين في الاستراتيجية الأميركية والغربية: الأول الدائم الخاص بإسرائيل والثاني العابر المتعلق بالإرهاب.. وبالتالي فإن ترامب يحمي “مصالح” بلاده والتزاماتها وعلاقاتها واستراتيجيتها عندما ينتشر في المنطقة، بحراً وبراً وجوّاً، قبل أن “يحمي” السعودية ودول الخليج العربي ويطالبها بأثمان تلك الحماية!

 

.. المفارقة أن ترامب ادّعى قدرات لإيران، لم يجرؤ عاقل واحد فيها أن ادّعاها! وهو في كلامه عن “12 دقيقة كانت كافية لتسيطر على المنطقة”، يتشبّه بذلك الجنرال في “الحرس الثوري” الذي حكى مرّة عن محو إسرائيل من الوجود في سبع دقائق ونصف الدقيقة!!