IMLebanon

نضجت التسوية… بعض بنودها علني والآخر سرّي

 

لم يكن رئيس مجلس النواب نبيه بري، مطلع الأسبوع الفائت، متفائلاً الى حد الثقة بأنّ أزمة الاستقالة ستُحلّ قريباً. ولكن تفاؤله ارتفع في الايام الاخيرة ليلامس اليقين بأنّ هذه الازمة «ستعدّي على خير». وفي الكواليس المُتابعة لمسار الأزمة منذ عودة الرئيس سعد الحريري وإعلانه التريّث، شاعَ أمس تفاؤل مفرط بلغَ تحديد الخميس المقبل موعداً لانعقاد مجلس الوزراء، ما يُعتبر إشارة انطلاق مرحلة تجاوز تداعيات أزمة 4 تشرين الثاني.

التسوية المطروحة في الكواليس تعتمد نقاطاً أساسية، وبعض بنودها بات معلناً وأصبح محفوظاً ضمن صيغة مكتوبة يفترض إعلانها رسمياً عبر بيان يُتلى بعد جلسة مجلس الوزراء المتوقعة الخميس المقبل.

أمّا البعض الآخر من بنودها فيتمّ الحفاظ على سريّته داخل احداق عيون المشتغلين على إتمام التسوية وضمان استدامتها ودفع أكلافها السياسية، وذلك خوفاً من تعرضها لانتكاسة مُبكرة تودي بها.

النقطة الجوهرية في بنود تسوية إنهاء الاستقالة والخروج من مرحلة التريّث الى العمل الحكومي، تتحدث عن دور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كضامن لها ولحسن تنفيذها.

وهناك بند آخر يتضمن تفسيراً مشتركاً لمفهوم «النأي بالنفس»، وذلك على أساس قواعد محددة تُلزم جميع الاطراف بمعاملة سياسية بالمِثل، وتقوم على مبدأ «التوازن والتوازي» في تعاطيهم الاعلامي والسياسي مع ملفات اليمن وايران وسوريا.

حتى قبل أيام كان هناك سؤال مُقلق لدى طابخي هذه التسوية، وهو: هل تغطي الرياض تفاهماً لبنانياً فيه حد أدنى بنسبة كبيرة للحل؟ ام انها ستطالب الحريري بسقف شروط عالٍ لعودته عن استقالته؟

مُتابعو الإجابة عن هذا السؤال، نصحوا بالتنَصّت على ما يتسرّب من جهود باريس. ولكنهم في المقابل أوصوا أيضاً بضرورة رصد موقف «القوات اللبنانية»، لأنه منذ زيارة رئيسها سمير جعجع الأخيرة للسعودية باتت الجهة الأكثر قُرباً من نَبض الموقف السعودي من الأزمة الناشِبة بعد إعلان الحريري استقالته.

وقبل يومين، بدأت تصدر من معراب إشارات مشجّعة تَشِي بأنّ جعجع لمسَ اتجاهاً خارجياً للتبريد، وإعادة إنعاش تسوية الرئاسة والحكومة على حدّ سواء. وتمثّلت هذه الإشارات، أولاً بإقدام «القوات» خلال الساعات الـ 72 الفائتة على احتواء موقفها من الازمة الذي كانت قد أعلنته إثر استقالة الحريري، وذلك على نحو بَدا واضحاً انّ هدفها منه هو التمهيد لعودتها الى التموضع سياسياً بما يسمح لها التكيّف مع الواقع الجديد الذي يشبه ما كان سائداً قبل 4 الشهر الجاري، سواء حول مشاركتها في الحكومة او لجهة تبديد ظلال طرأت خلال الأزمة الأخيرة على عمق تأييدها التسوية الرئاسية.

ولاحظت المصادر انّ «القوات» كثّفت منذ بداية الاسبوع نشر نظرية تفيد أنّ «حزب الله» إستفاد مجدداً من حقيقة أنّ المجتمع الدولي وافَق، كما فعل في مرات سابقة، على «الخضوع» لمعادلة إعطاء «الحزب» فترة سماح جديدة تُفضي الى تأجيل بدء محاسبته، وذلك كَرمى لعيون المحافظة على الاستقرار في لبنان.

وعلى رغم انّ «القوات»، عبر الترويج لهذه النظرية، تبدو وكأنها تشكو من موقع الرفض، من استمرار معادلة أنّ الاستقرار هو رهينة يقبض ثمنه «حزب الله» أثماناً دولية تغطّي دور سلاحه الداخلي والخارجي، إلّا أنها من ناحية اخرى تستخدمه غطاء لتنظيم انسحاب بضَرر أقلّ على صورتها بين قواعدها، من المواجهة التي كانت قد أعلنت أنها ستكون هذه المرة مفتوحة مع «الحزب».

ثمّة أسرار في التسوية التي ستعيد إنتاج نبض الحياة في التسويتين الرئاسية والحكومية، وتتمثّل باقتراحين اثنين قد يُصار الى تنفيذ أحدهما بعد فترة وجيزة من إعلان التسوية وعودة مجلس الوزراء الى الانعقاد: الإقتراح الاول، يقترح الذهاب الى تحالف إنتخابي خماسي (حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المستقبل») خلال انتخابات ايار المقبل، والمتوَقّع ايضاً ضمن مسودات تسوية إنهاء فترة التريّث، تبكير موعدها للحفاظ على زَخم شعبية الحريري التي ارتفع منسوبها أخيراً بفِعل تعاطف شارعه معه نتيجة الظروف التي مرّ بها في الأيام الاخيرة.

أمّا الاقتراح الثاني، فيتمثّل بإدخال تعديلات على قانون الإنتخاب الجديد ليصبح ملائماً لصيَغ التحالفات السياسية الخماسية، كون القانون الانتخابي الساري حالياً تسوده تقنية حاكمة (الصوت التفضيلي الواحد خصوصاً) تجعل من التحالفات الانتخابية الكبيرة ضعيفة التأثير في رسم النتائج السياسية المتوَخّاة على أرض الواقع، مع العلم انّ هناك تعقيدات ليست سهلة تواجه تطبيق هذا الاقتراح، وليست كلها سببها رفض «القوات» مثل هذا التعديل، او حتى تبكير موعد الانتخابات.