اللقاءات التشاورية في قصر بعبدا التي بدأت ثنائية كبديل عن طاولة الحوار على ان تنتهي بلقائين تقريريين مع رئيسي المجلس والحكومة للبحث في العناوين التي طرحها رئيس الحكومة في اطار التريث في استقالته والملخصة بالنأي بالنفس عن أزمات وحروب المنطقة، وعدم معاداة الدول العربية والحفاظ على الوحدة الوطنية واتفاق الطائف يفترض ان تشكل مقدمة للحل السياسي وان تحدد معالم وشكل التسوية الجديدة وطبيعة التعاطي مع المرحلة القادمة.
وعليه فان التوقعات والتكهنات جميعها تشير الى توافق بين كل المكونات على الخروج باتفاق كامل حول المرحلة وعلى توافق تام بين الجميع على الخروج من الأزمة على غرار ما حصل من اجماع في موضوع الاستقالة، وحيث سيصار الى تثبيت التسوية السياسية التي قامت قبل اكثر من نحو عام وفق اوساط سياسية مواكبة مع «رتوشات» تجميلية ترضي كل الأفرقاء وضمن اطار التوافق اللبناني حول كل العناوين، من خلال تجديد تأكيد لبنان الالتزام بالنأي النفس وان كان النأي بالنفس المطالب به لبنان تختلف حوله التفسيرات، الا ان الاحداث اليوم وفق الاوساط كرست وحدها مسألة النأي بالنفس اللبناني، فحزب الله على ابواب او مسافة زمنية من خروجه العسكري من حروب سوريا والعراق واليمن بعد الانتصارات العسكرية التي حققها في سوريا وعلى اعتبار ان وجود حزب الله في اليمن هو وجود استراتيجي من خلال الخبراء والاستراتيجيين، وعدد مقاتلي الحزب لا يقارن بالتصعيد الدولي في هذا المجال.
وبالتالي لا وجود فعلي وكبير على غرار ما يتم الايحاء به اليوم في تلك المناطق. اما موضوع حزب الله فبرأي الاوساط لا يمكن مناقشته او البحث فيه على طاولة بعبدا وضمن لقاءات بعبدا لأنه خارج نطاق النقاش في هذه المرحلة، فحزب الله جزء من المكون والنسيج اللبناني ولا يمكن التضحية به باي ذريعة او تعريض الوضع الداخلي لاي فتنة، فالمطلوب اليوم الخروج من الأزمة الراهنة والصدمة التي احدثتها استقالة رئيس الحكومة باقل الخسائر والتداعيات والموقف الرسمي للبنان لا يزال داعماً للمقاومة ولا يمكن ان يتبدل «بكبسة زر» من اي طرف او نزولاً عند اوامر احد ، خصوصاً ان لبنان الرسمي التزم التهدئة من بداية الاحداث الاخيرة، فرئيس الجمهورية التزم «التريث والصمت الكلامي» ولكن المعبر تجاه التصعيد السعودي على لبنان وهجوم المملكة على لبنان بشخص الوزير السبهان وفريقه السياسي والاعلامي ولكن لا يمكن تقديم تنازلات بهذا الحجم او فتح مواجهة داخلية مع اي فريق لبناني. عدا ذلك فان رئيس الجمهورية ابدى الكثير من المرونة والليونة في التعاطي مع المملكة فكانت فاتحة زياراته الدولية الى السعودية ولم يزر سوريا او ايران تجنباً لاي حساسيات او استفزازاً لأحد في الداخل والخارج . وبالتالي لم تصدر اي اشارات في غير سياقها الصحيح من بعبدا تجاه المملكة، كما ان حزب الله بنظر بعبدا يمثل المقاومة التي ساعدت الجيش في معركته ضد الارهاب وقد لاقى ذلك استحساناً من المجتمع الدولي الذي يحارب الارهاب وعدم لجوء حزب الله الى ملاقاة التصعيد السعودي ابان الأزمة السياسية أملاً باسترجاع سعد الحريري.
اما الموقف الايراني الذي اثار التباساً اخيراً فهو لن يؤثر على المسار السياسي الجديد الذي تريده بعبدا بحسب الاوساط، وقد يكون المقصود به ان موضوع السلاح يبحث في ايران، وفي كل الأحوال فانه مرفوض رسمياً من قبل لبنان على انه تدخل ايضاً بالشأن اللبناني، فيما التفاهمات واستشارات الرئاسة تركز على العناوين الاربعة التي وضعها رئيس الحكومة في اطار معادلة التريث في الاستقالة. في حين ان الطائف بالنسبة الى بعبدا لا اشكالية ولا لبس فيه، وثمة قرار واضح من الرئاسة بالانفتاح على كل الدول وفي موضوع العلاقات مع الدول العربية فان لبنان الرسمي لا يعتدي على احد.
واذا كان لبنان تجاوز قطوع الاستقالة ومحنتها وتداعياتها وبالتالي لن يكون عصياً عليه ان ينتج «نأي آخر» او خاصاً بالنفس عن أزمات المنطقة خصوصاً بعد التطورات في المنطقة وانتهاء الصراعات من حول لبنان وفي ضوء تسهيلات حزب الله للأزمة وبعد الانتهاء من الارهاب في لبنان، وبحسب الاوساط فان لبنان تمسك دائماً بالنأي بالنفس وهذا ما ورد في خطاب الاستقلال الأخير لرئيس الجمهورية ولكن نأي لبنان بالنفس وتطبيقه من قبله لم يثن التدخلات عنه بحيث اصبح الأمر «نحن نأينا بنفسنا ولم الآخرين لم ينأوا عنا». عدا ذلك فان التفاهم واقع او حاصل بقوة بين الرئاسات الثلاثة وبين الرئيس عون والرئيس الحريري، كما ان حزب الله كان من اكثر المطالبين والمتحمسين لعودة الحريري، وفريق الحريري السياسي تحدث عن خيبة أمل من حلفاء وعن مفاجأة من الأخصام في خضم الأزمة. ويضاف الى التفاهم بين اركان السلطة ان لبنان عاد يستظل بالسقف الاقليمي الذي ساهم واعطى دفعاً لعودة سعد الحريري الى لبنان ودفع باتجاه المزيد من الاستقرار الداخلي. من هذا المنطلق فان المؤكد ان سعد الحريري لن «يفعل استقالته»وان التسوية السياسية التي قامت سوف تستمر وان لبنان سينتهج النأي بالنفس الداخلي عن كل أزمات المنطقة وعن الصراع الايراني والسعودي، وقد اثبتت مجريات او مرحلة ما بعد الاستقالة وخلالها ان لبنان الرسمي بدا موحداً ومحصناً ضد السيناريوهات الخطيرة.