IMLebanon

التسوية تُجدِّد نفسَها ومعارضوها يستعدّون

 

وماذا بعد العودة عن الاستقالة؟ الواضح أنّ تجديدَ التسوية بنسختها الأصلية يمهّد لتكريس تحالف ثلاثي بين «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي» وتيار «المستقبل»، وهذا التحالف سيمهّد لمرحلة مقبلة بعدما اجتاز الى الآن أصعبَ اختباراته، وهو اختبار الشريك السنّي، الذي على ما يبدو أدار أُذناً صمّاء للمملكة العربية السعودية، على رغم ممّا يمكن أن يحصد من نتائج.

هذا التحالف سيركّز في المرحلة المقبلة على الامور الآتية:

اولاً: التشديد على إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الحالي بتحالفات رباعية وخماسية، أي مع النائب وليد جنبلاط، وفي اعتقاد المتحالفين من حلفاء، وحلفاء حلفاء، أنهم قادرون على اكتساح النتائج، بما سيحقّق غالبية كبيرة تعيد التجديد للتسوية وتسمية الرئيس سعد الحريري لمرحلة ما بعد الانتخابات.

وقد سمع زوّار من الحريري استعجالَه إجراءَ الانتخابات النيابية قبل أوانها على اساس أنّ ما حصل من تضامن شعبي كفيل بترجمته نتائج كبيرة في الصناديق، أما بالنسبة الى قانون الانتخاب فلا يشعر الحريري إزاءَه بأيّ تهديد، اذ سبق له قبل اقراره أن أجاب على هواجس إحدى الشخصيات السنّية التي حذّرته من أنّ «حزب الله» سينال تسعة مقاعد سنّية، بالقول: «حتى لو ربحت خمسة مقاعد فأنا سأكون رئيس حكومة ما بعد الانتخابات».

ثانياً: تفعيل عمل الدولة الأمنية وإعادة إحيائها، وقد تمثّل ذلك بسجن الصحافي احمد الأيوبي، وتهديد النائب سامي الجميل بتحريك القضاء، كذلك بملاحقة الإعلامي مرسيل غانم لجرم لم يرتكبه، والهدف قمع كل الأصوات القادرة على تحريك معارضة وطنية، وإفهام الجميع أن لا خيمة فوق رأس أحد.

ثالثاً: إستئناف ما كان قد توقف قبل الاستقالة والمتعلّق بالتلزيمات في ملفات الكهرباء والنفط والهاتف، وهذه الورشة ستُستأنف لاعتقاد المتحالفين بأنّ أيَّ معارضة جدّية داخل الحكومة لم تعد ممكنة، بعد أن تمّ إشغال «القوات اللبنانية» طول الشهر الماضي باتّهامها بالانقلاب على الحريري، وستتعرّض «القوات» داخل الحكومة لضغط شديد لإحراجها وإخراجها، لعدم حاجة المتحالفين الى غطاءٍ مسيحي إضافي بعد أن تكرّس تحالف «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» المغطّى من «حزب الله».

رابعاً: إحتواء الغضب السعودي والاستمرار في استعمال الورقة الأوروبية، وتحديداً الفرنسية، وكذلك الورقة المصرية، ومن المعروف أنّ لفرنسا حساباتٍ تتعلّق بقضية المهاجرين، كما أنها تتوقف عند مسألة وجود آلاف من جنودها ضمن قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، لجهة ضمان سلامتهم وعدم تعرّضهم لأيّ هجمات. واذا كانت هذه خريطة طريق المتحالفين الجدد، فماذا عمَّن أعلنوا رفض التسوية وتأييد الاستقالة؟

الواضح أنّ هذه القوى بدءاً من اللواء أشرف ريفي وحزب الكتائب و«المبادرة الوطنية» التي شكّلها النائب السابق فارس سعيد والدكتور رضوان السيد وفي «المجتمع المدني» التي تتناغم مع هذه القوى، بدأت تشعر أنّ تشكيل جبهة معارضة وطنية بات أمراً لا مفرّ منه لمواجهة محدلة تمتلك قوة السلاح والسلطة بكل متفرّعاتها، كذلك تمتلك الإمكانات المالية.

وفي الحديث عن الانتخابات النيابية المقبلة، فإنّ انضواءَ هذه القوى في إطارٍ وطني تُخاض عبره الانتخابات، بات معبراً إلزامياً لضمان حصول اختراقات.

ويلاحظ أنّ المناورات التي حصلت أخيراً لإغراء بعض هذه القوى بحجز مكان لها داخل التسوية لم تؤتِ بنتيجة، وعلى هذا تصبح خريطة التموضعات من الآن وحتى الانتخابات النيابية واضحة، في ظلّ توقّع تغيير كبير في التعاطي العربي، وتحديداً السعودي، مع قوى الداخل، خصوصاً بعد أزمة الاستقالة وما نتج عنها من فرز واضح، لا بد أنه سيترجَم في المرحلة المقبلة التي ستشهد عربياً مزيداً من احتدام المواجهة السعودية ـ الإيرانية على أكثر من مسرح.