عندما ينظم وزير الداخلية نهاد المشنوق «ابياتا شعرية غزلية» برئيس تيار المردة سليمان فرنجية ويشيد بمواصفاته الرئاسية غير القابلة لاي نقاش او تشكيك، فأن ثمة ما يثير «الريبة»، وعندما يتحول فرنجية بين ليلة وضحاها من مرشح تسوية الى مرشح لتيار المستقبل دون منازع، فان ثمة ما يدعو الى الكثير من التأمل، اما عندما يجري تكريس الاطلالة الاعلامية الاخيرة لرئيس المردة لاعادة تعويم التسوية عبر «جرعات» من المواقف قدمها فرنجية للرئيس سعد الحريري لمساعدته على تجاوز المطبات السياسية داخل فريقه السياسي، بعد الادارة الكارثية للمبادرة، مقابل احراج حزب الله ضمن فريقه السياسي عبر تكريس القطيعة مع الجنرال ميشال عون والدخول معه في تنافس علني على الموقع الاول في البلاد، فان الامر بات يدعو الى اكثر من الحذر في التعامل مع التسوية المفترضة، بعد ان ارتكب المنخرطون المحليون والاقليميون في تسويقها الكثير من الاخطاء «المميتة» التي تجعل حزب الله المنخرط في حملة دفاعية في وجه هجوم سعودي غير مسبوق في حدته، يضع الكثير من علامات الاستفهام حول خلفية التطورات المتسارعة واهدافها غير المرئية.
اوساط سياسية بارزة في 8آذار، تشير الى ان الهدف الوحيد الذي تحقق خلال الساعات القليلة الماضية هو نقل المعركة من داخل «بيت» 14 آذار الى فريق 8آذار من خلال تكريس الشرخ بين فرنجية وعون، وزيادة صعوبة مهمة حزب الله في رأب الصدع بين الرجلين، في حين لم تتغير المعطيات الخاصة باعادة «احياء» التسوية، لان ما قدمه فرنجية من مواقف وتطمينات لحلفاء الرئيس الحريري والسعودية لن تؤدي الى تغيير في الوقائع الرئاسية، فالمملكة هي «عرابة» التسوية ولا تحتاج الى مزيد من المواقف التطمينية، اما حزبي القوات اللبنانية والكتائب، فلم يكونا في الاصل عقبة جدية امام تمرير التسوية لو ان فريق 8آذار قبل بها، فمنذ اليوم الاول ثمة قرار لدى زعيم المستقبل بتجاوز رفض حلفائه ويتكىء على قدرة السفير السعودي علي عواض العسيري في اقناعهم او تحييدهم. في المقابل لم تقدم المواقف المعلنة ما يزيل «الهواجس» لدى الفريق السياسي المتوجس من رغبة السعودية بتسوية مماثلة فيما تشن حربا شعواء على حزب الله، بل جاءت «شخصنة» فرنجية لهذا الملف ومجاراة «خصومه»على حساب حلفائه الطبيعيين، لتزيد من صعوبة الموقف.
وتتساءل تلك الاوساط عن اسباب عدم التزام فرنجية بقواعد «اللعبة» باعتباره مرشحا ثانيا لفريق 8آذار، ولماذا وضع نفسه في اطار المرشح المنافس للجنرال عون؟ محاولا تقديم الكثير من الضمانات العلنية للفريق الاخر فيما تعامل «بنفس قصير» مع حالة الاعتراض القائمة في الرابية على ترشيحه. الم يكن بالامكان تنفيس الاحتقان عبر التأكيد على الالتزام «بمظلة» القرار السياسي لهذا الفريق؟ الم يكن من الافضل عدم التصعيد وترك الامور قيد المعالجة الداخلية التي يديرها حزب الله بصمت ونجاح؟ اليس تعامل فرنجية مع الملف على اساس ان ترشيحه نهائي دون الاخذ بعين الاعتبار قرار حزب الله المعلن بتمسكه بترشيح عون استفزازا؟ فالرجل يتحرك على اساس ان فوزه محتوم ومحسوم وهو فقط يؤكد على ما قطعه من التزامات واطلقه من تعهدات، ولا تعنيه اي من «هواجس» فريقه السياسي التي طرح اسئلة واضحة حولها السيد حسن نصرالله خلال لقائهما الاخير. وفي الخلاصة ارتكب فرنجية خطيئتين ستكون اكلافهما كبيرة، الاولى احداث شرخ كبير في فريقه السياسي، بعد ان انزلق في صراعه على الرئاسة الى «الزواريب» دون الاخذ بعين الاعتبار طبيعة الصراع الاستراتيجي في المنطقة ولبنان. اما الخطيئة الثانية فهي تحويل فرصة وصوله الى الرئاسة من خيار قابل للدرس مع مرور الوقت اللازم لذلك في القنوات الداخلية التي يبرع فيها حزب الله الى عنوان واداة «لكسر» الجنرال عون، وهو الامر الذي لا يمكن ان يقبل به الحزب مهما كانت الثقة عالية بشخص زعيم تيار المردة الذي تحول بعد اطلالته الاخير الى محام فاشل لقضية قد تكون عادلة.
اما اسباب هذا الاستنتاج تضيف الاوساط، فتتعلق بشقين الاول داخلي والثاني اقليمي، في الشق الاول ثمة «رسائل» خاطئة للحلفاء، مقابل تقديم الحريري على «هيئة» «ملاك» ذات مصداقية لا تقبل اي شك، ففرنجية قدم التزامات لادارة عهده، ولم يكلف نفسه عناء شرح الالتزامات المقابلة للفريق المفترض انه «خصم» في السياسة، وقدم قبول الاخرين به رئيسا بانه تنازل يفترض التوقف عنده مليا واعتباره «المكسب» الاول والاخير ولا داعي للنقاش بمسائل اخرى، مع العلم ان اسناد الرئاسة لفريق 8آذار حق وليس منة، اما عودة الحريري الى الحكومة تحتاج ايضا الى ضمانات من الفريق الاخر حول الكثير من الملفات الجوهرية، واهمها تقديم التزام بقانون انتخابي يعيد التوازن السياسي الى المسيحيين اولا والحياة السياسية ثانيا، لكن رئيس المردة اوحى ان هذه القضية ليست اولوية في النقاش واذا لم تصل النقاشات الى اتفاق على قانون انتخاب يعتمد النسبية فلا حل الا بقانون الستين، وهذا تسليم مسبق بما يريد الفريق الاخر. ولكن من قال ان فريق 8آذار في وارد القبول بمعادلة «الرئاسة» مقابل التنازل للحريري عن باقي المطالب التي تعيده الى الحكم المطلق للبلاد؟
اما في الشق الاقليمي، فتلفت تلك الاوساط الى ان ثمة اسئلة ملحة غابت عن الاطلالة الاخيرة لفرنجية تحتاج الى الكثير من المعاينة، فبصفته مرشحا محتملا لتسوية يدرك انها لن تمر دون موافقة حزب الله عليها، لماذا لم يبادر الى التشكيك بالنوايا السعودية ازاء هذه المبادرة، فاذا كانت الضرورات الرئاسية تمنعه من توجيه الانتقادات العلنية لسياسات المملكة، فببساطة شديدة كان المطلوب توجيه نوع من «العتب» او «النصيحة» لوقف الاستهداف المبرمج لحزب الله ومحاولات التضييق عليه، فمن يريد تمرير تسوية في لبنان يضع مسؤولين في الحزب على لائحة الارهاب؟ ومن يسعى لتسوية يصدر قرارا بمنع بث قناة المنار عن العرب سات؟ ومن يسعى جديا للحفاظ على الاستقرار على الساحة اللبنانية يجهد بعد ساعات من تلك الاطلالة التلفزيونية على ادراج الحزب وحركة امل ضمن قوائم الارهاب في الامم المتحدة؟
ثمة حرب من نوع آخر يخوضها حزب الله، يلحظ يوما بعد يوم ان حلفاءه لا يواكبونه فيها، بل يحرجونه في توقيت خاطىء تتكامل فيه الاخطار الاسرائيلية والاقليمية في محاولة لاضعافه، يعرف جيدا ان المملكة تمر في موقف صعب بفعل التطورات الاقليمية المتلاحقة، هي منذ أحداث 11 ايلول 2001 واكتشاف أن من بين المهاجمين العرب التسعة عشر خمسة عشر سعوديا، شعرت بالحرج الكبير بعد ان تعرض حلفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الى هزة عميقة، يومها تعاملت السعودية مع هذا المأزق باتخاذ العديد من الإجراءات لكي تثبت للولايات المتحدة بأنها ما زالت الحليف الأكثر مصداقية أقدمت يومها على تقديم مبادرة سلام للتطبيع الشامل مع اسرائيل، ودعمت غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، المملكة تتعمد الهروب من إجراء إصلاحات شاملة في نظامها التعليمي والديني وتصدر ازمتها الى الخارج، اليوم المشهد يتكرر هي تحاول التنصل من مسؤوليتها عن الارهاب الوهابي الذي خرج عن السيطرة في سوريا والعراق، بدات مرحلة تقديم تنازلات للولايات المتحدة، اختارت استهداف المقاومة احد العناوين لتصدير ازماتها، اختارت حربا مفتوحة مع حزب الله على كافة الجبهات، لا يمكن تجاوز هذا التطور في سياق اي حراك على الساحة اللبنانية، ولعل افدح الاخطاء المرتكبة تحويل تسوية انتخاب فرنجية رئيسا الى جزء من ادوات «لي ذراع» حزب الله، وهذا يعني انها لن تمر.